إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، يوليو 31

صور الرجل والوطن في شعر امنة محمود

بحث مقدم
الى قسم اللغة العربية/ كلية التربية ابن رشد
وهـو جـزء مـن متطلبات نيــل شهـــادة البكلوريوس في اللغة العربية من قبل
الطالبة/ هبة كاظم حسن
بأشراف
الدكتور عبد المنعم جبار عبيد الشويلي
2011م 1432 هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقدمــة
يتناول البحث الموضوعات صورة الوطن والرجل وتجلياتها في شعر امنة محمود وهما من ابرز المواضيع الشعرية التي كتبت عنها الشاعرة في قصائدها، كذلك بالنسبة لموضوع (صورة الرجل) أيضا ً تنوعت شخصيات الرجل بين المثال والحقيقي ( الايجابي والسلبي) والأسطوري (اليوتوبي). و اردت قراءة قصائد التي عبرت بها عن الرجل وهل مزجته بالوطن ليصبح لدي تصور واضح عن أهم سمات شعر أمنة محمود.
وسبب اختياري لهذا الموضوع هو (الرجل) حيث لاقتني فكرة كون الوطن هو الرجل وكون الرجل هو الملاذ والوطن 0كذلك أعجبتني وأثارتني قصائد أمنة حيث وجدتها مشوقة من اول وهلة وإنسانية 0
وقد قدمت بحثي على ثلاثة مباحث يسبقها تمهيد تحدثت في فيه عن سيرة حياة الشاعرة بشكل مقتضب مع اهم انتاجاتها الأدبية 0اما المبحث الأول فقد ذكرت فية صورة الوطن وتجلياتها في شعر الشاعرة فقد وضعت مفهوم الوطن ودلالاته ثم شفعت ذلك المفهوم بشواهد شعرية تدل على صورة ذلك الوطن في رؤى الشاعرة 0
إما المبحث الثاني فقد تعرضت فيه لمفهوم صورة الرجل وتجلياته في شعر الشاعرة مبينه فيها أهم الدلالات التي انعكست من خلال شعرها 0 وقد خصصت المبحث الثالث للدراسة الفنية من خلال محورين تحدثت في الأول عن الصورة الشعرية وعناصرها من خلال السرد والتناص والتضاد 0أما المحور الثاني فتحدثت فيه عن الموسيقى الشعرية من خلال الوزن والقافية والإيقاع الداخلي والتكرار والتشطير وقد اعتمدت الدراسة موضوعية في جزئها الأول والفنية في جزئها الثاني 0 ثم أنهيت بحثي بخاتمة بينت فيها أهم ما ورد في البحث 0
وقد اعتمدت على مصادر رئيسة منها نتاج شعر الشاعرة لاسيما ديوانها ( فراشات أمنة ) فضلاً عن موقع الشاعرة على الشبكة العنكبوتية وأطروحة ( الرجل في الرواية العراقية النسوية ) وصورة الوطن في أطروحة ( المكان ودلالاته في شعر السياب ) 0
ولابد لكل بحث من صعوبات وأهم الصعوبات التي واجهتها في بحثي هي عدم وفرة المصادر والدراسات التي تناولت شعر الشاعرة كونها جديدة لكن النقاد لم يسلطوا الأضواء عل شعرها ومع ذلك فقد حاولت الاعتماد على جهدي فضلاً عن الاعتماد على الأستاذ المشرف 0
وفي الختام أتوجه بالشكر الى جميع الذين ساعدوني على اخراج البحث على شكله النهائي ,اخص بالذكر أستاذي المشرف ( د0 عبد المنعم الشويلي ) فضلاً عن أستاذة قسم اللغة العربية. وهدي بحثي إلى أستاذي المشرف أولاً والى جميع أساتذتي والى زملائي الطلبة 0
الله ولــي التوفيـــق 0
سطور في حياة أمنة محمود :
امنة محمود شاعرة وناقدة ، تولد بغداد اعظمية 1974،عضو اتحاد الادباء والكتاب العراقيين ،عضو جمعية الهلال الاحمر العراقية ،عضو رابطة الصحافيين العراقيين \كركوك ، شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية والتظاهرات الثقافية ، نشرت العديد من النصوص والدراسات النقدية والمقالات في الصحف والمجلات في داخل القطر وخارجه ،حازت على العديد من الشهادات التقديرية في مجال الادب والصحافة لها ثلاث كتب غير مطبوعة
1*( فراشات آمنة )مجموعة شعرية
2*الحمامة المتوحشة : مجموعة دراسات ومقالات
3* كتاب الحب : مجموعة نصوص نثرشعرية
وتعمل امنة محمود مدرسة في مدرسة في مديرية تربية محافظة كركوك وهي أم لطفلة واحدة ، وتهتم بالنشاطات الادارية والثقافية في المحافظة وكان اخر نشاطتها مشاركتها في مهرجان الجواهري للشعر و في حفل تكريم الشاعرة لميعة عباس عمارة عندما غامرت بالقراءة امامها حيث قدمت لقصيدتها : ان القراءة في حضرة لميعة مغامرة، وما زالت تمارس نشاطاتها الادبية والثقافية وتشارك في مهرجانات قصيدة النثر وفي المرابد الشعرية.

المبحث الاول
(دلالات الوطن العام)
المبحث الاول
(دلالات الوطن العام)
دلالة الوطن في اللغة والاسطلاح
(ان الوطن لدى الانسان ولا سيما الاديب يتخذ ابعادا ً متشعبة متداخلة ، فهو انتماء ، وتاريخ، وخليط معقد من المشاعر، والعواطف يحتاج سردها الى كميات تحليل معقدة، بل يمكن للوطن ان يتخذ صورا ً ، انماطا ً متنوعه ، فيتسع احيانا ً يمثل العالم كله وقد يضيق في بعض الاحيان حتى يمكن اختزاله الى حديقة منزل . . او في ضوء ذلك ستتعدد دلالات الوطن )
(1)
وردت مادة الوطن في المعاجم العربية بعدة دلالات وصيغ وتعاريف متباينة، فمثلا ً يعرفه ابن السيدة (( بأنه حيث اقمت في بلد او دار ))
(2) في حين جاء معنى الوطن في معجم الصحاح (محل الانسان)(3) كذلك بمعنى الارض بفتح النون (أوطَنَ) و (الموطنُ) هي المشهد من مشاهد العرب ، قال تعالى ((لقد نصركم الله في مواطن كثيرة))(4) وهكذا نرى ان معنى كلمة (وطن) في اللغة لها عدة صور متباينة.
سنحصر مفهوم الوطن في الشعر العربي القديم و بيان مراحل تطور هذا المفهوم في عصور الادب العربي قبل ان تتعمق في اظهار دلالات الوطن وصوره في الادب العربي الحديث وبخاصة عند الشاعرة آمنة محمود .
كان الشاعر العربي القديم وخاصة في العصر الجاهلي ينظر الى الوطن نظرة ذاتية فالوطن عنده يتمثل (بالحمى) وارض القبيلة (العشيرة) التي يجهد نفسه في الدفاع عنها وحمايتها لأنها تمثل عنده الاستقرار النفسي والمكاني. ان الجاهلي وخاصة البدوي الذي يستوطن الفلاة يشعر بأن وطنه حيث اهله وعشيرته هذا بالتالي يجعله لا يستقر في مكان محدد وانما هو دائم الانتقال – كما نعلم – حيث يوجد الماء والكلأ او خوفاً من العدو ، وهكذا نرى ان مفهوم الوطن عند الجاهلي لا يبتعد كثيراً عن كونه مكانا ً او موطن الاهل والعشيرة، واحياناً يشعر بأن وطنه حيث تعيش محبوبته وان كانت تسكن في حمى بعيدة عن حماه وعشيرته. وأيضاً مفهوم الغربة لدى الجاهلي له ابعاد تختلف عن مفهوم الغربة في يومنا هذا فالغربة والشعور بالحنين الى الاهل والحمى تتجلى في ذات الحمى والاهل وليس في الارض ، لذا نجد لشاعر الجاهلي يبكي اطلال المرتحلة من اهله لانها تذكره باهله وأصحابه واحبته الذين هاجروا عنه ولا يبكي المكان او الارض الذي كانوا فيه .
اذاً ليس الوقوف على الاطلال وبكاء الاهل الضاعنين عنها بكاء الوطن المتمثل بالاهل والصحب .
اما في العصر الاسلامي فنجد مفهوم الوطن قد تغير ونستطيع ان نقول قد تأصل في هذه الحقبة فأصبح يشير الى الارض او المكان الذي سكنه الناس تجمعهم خصائص لغوية او دينية ، فبعد مجئ الاسلام وهجرة الرسول (ص) الى المدينة المنورة واتخاذها مركزاً لنشر رسالته السماوية والتفاف العرب حوله من جميع القبائل الى جانب الامم الاخرى التي دخلت الاسلام ، تكون لجميع هؤلاء نظرة اكثر عمقاً لمفهوم الوطن والمكان حيث لم يعد الموطن العربي حيثما حلت قبيلته وانما اصبح وطنه يتمثل بالارض او المكان الذي يحفظ له دينه وحياته ، كذلك ارتبط مفهوم الوطن بعد الاسلام بالاستقرار وهذا ما نصت عليه تعاليم الاسلام التي تحث الانسان على الاستقرار الباعث على السكينة وان من واجب هذا الانسان ان يعمر الارض التي يسكنها ويستثمرها لينتفع منها الجميع وهكذا استقر مفهوم الوطن ليصبح بذلك هو الارض التي يعيش عليها مجموعة من الافراد الذين يجمعهم دين واحد او عقيدة واحدة وظل هذا المفهوم حتى في العصر الاموي على الرغم من اتساع رقعة الاسلام وقيام الفتوحات الاسلامية وتعدد الاقاليم العربية والاسلامية التي كانت تحت حكم واحد مركزي مسيطر عند جميع تلك الاقاليم بمثابة وطن واحد يؤمن افراده بالرسالة السماوية.
كذلك الحال في العصر العباسي وماتلاه من العصور تؤمن بمفهوم الوطن المتمثل بمجموعة من الافراد لهم خصائص مشتركة بعنوان الارض تحت حكم مركزي على الرغم من اتساع رقعة البلاد الاسلامية أن العربي كان يشعر بأن كل بلد مسلم هو بلده وان من واجبه حمايته من الاستعمار، وظل هذ المفهوم سائدا ً حتى الاستعمار البريطاني حين غير خارطة الوطن العربي الى دويلات تأصل كل منها الى دولة مستقلة عن الاخرى لها سيادة تامة لكن الانسان العربي ليس وبخاصة الشاعر ينتمي ويحن الى ارضه ووطنه وكذلك يتالم عندما يرى اي دولة من دول الوطن العربي قد اصابها شر او ضرر خارجي منطلقا ً من شعوره القومي المتجدد ان كل بلاد الوطن العربي هي بلده وكما ان تطور الاحداث السياسية قد رافقها تطور في الادب والشعر والحياة الاجتماعية وخاصة في العصر الحديث فظهرت في هذا العصر عدة مدارس ومذاهب ادبية متأثرة بالاداب الوافدة مما ادى الى ظهور صور ورموز اكثر تعقيدا ً عن مفهوم الوطن وتجلياته فظهر مفهوم الوطن الذاتي (اي خاص بذات الشاعر) والوطن المعادي والوطن بوصفه حلما ً وغيره من الصور والتجليات التي سنحاول دراستها بشكل اكثر تفصيلا ً من خلال شعر الشاعرة امنة محمود
(1)


اولا ً:- المكان الاليف :
يثير المكان الاحساس بالمواطنة، مما يؤدي الى تشكله بالمخيلة البشرية ، انه يمتلك وجوداً ماديا ً مدركا عبر الحواس في تجسده المجرد ، اما تجسده الفني فيفترض اكتسابه من خلال مخيلة الشاعر صفات وعلامات لايمتلكها في اطاره المجرد
(1)
ويأخذ المكان عمقا ً في الوجدان البشري لا سيما اذا كان المكان هو الوطن الذي يمثل حالت الارتباط المشيمي برحم الارض الام _يرتبط بالطفولة والصبى ويزداد هذا الحس شحذا ً اذ ما تعرض المكان (الوطن) الى الفقد او الضياع واكثر ما يشحذ هذا الحس هو الكتابة عن ةالوطن في المنفى
(2).
ان الوجود في المنفى يعني الانقطاع عن الوجود الفعلي بالوطن كما يعني في الوقت نفسه تمدد داخليا ً ، وحين يصبح وجود الوطن داخليا ً تنشط حركة الحياة وتظهر محتويات متعددة للحلم والذاكرة فيتفق المكان الواحد في امكنه عدة ويتحول زمن الحياة تحت سمائه الى ازمنة تاريخية او شخصية او اسطورية .
وتشكل هذه العناصر مجتمعة بناءا ً لغويا ً يكون بديلا ً عن الانفصال الخارجي عن الوطن ، ومن ثم لا يكون الانسحاب الاختياري من المكان الذي يحدث في الواقع موتا ً لفكرة الوطن وانما تظل قادرة على النمو في الغربة ولاسيما اغتراب الشاعر وهو يعيش داخل الوطن.
(3)
ان انقطاع الشاعر عن المكان (وطنه) يعني اتخاذه موقفا ً سلبيا ً من المكان اي انه يرفض ذلك نفسيا ً يرفض تواجده فيه لأنه خال من قيم الالفة محتو ٍ على قيم سلبية عدوانية تخلخل التوازن والاستقرار النفسي للشاعر لأنها امكنة موحية بالخوف محتوية على اسبابه ويشعر فيها الشاعر بالتهديد الجسدي والنفسي ولكن الانقطاع عن المكان لايعني الانقطاع الابداعي لدى الشاعر وتصويره له فقد يكون الشاعر رافضا ً للمكان متمردا ً عليه ولكنه في الوقت نفسه يتمتع بحس مكاني متميز اتجاهه وقادر على ان يحوله الى صورة شعرية مبدعة ذات دلالة وايحاء تجعلنا نعيش معه تجربة المكان غير الاليف بشكل لايقل ابداعا ً عن رصده للمكان الاليف فلكل من المكانيين نسقه ووقعه النفسي والابداعي الخاص.(4)
ومن خلال مطالعتنا للنتاج الشعري للشاعرة لاسيما تشكل صورة الوطن ودلالاتها نرى انها تتحدد انطلاقا ً من واقع الوطن الذي تعيشه الشاعرة بابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويتشكل في وعيها مقترنا ً بضغوط الماساة التي خلقتها احوال الوطن وتتظافر تلك الاسباب لترسم صورة قاتمة للوطن وتتجلى تلك الصور في اغلب قصائدها ومن تلك القصائد قصيدة (وطن الموت والعذوبة) تقول فيها :(1)
هكذا كدنا واصبحنا نكون
مختصرون ياوطن الموت والعذوبة
مختصرون حد التلاشي
فالشاعرة في المقطع السابق تجمع بين المتناقضات (الموت والعذوبة) وهذا يعكس تصارع مشاعر الحب الضجر نتيجة التحول الذي ال اليه الوطن و وصول المرء الى حد التلاشي وتكررت هذه الصورة في المقطع اخر من القصيدة وهي تقول
(2)
كيف التهمت ابناءك يا نهر
من اين اتتك القسوة تلك
على الجسر خطوب يابسة
في النهر خطوب مبتلة
والعراقي لا يموت بسهولة
ولكنه بكل قسوة يموت
فالصور الشعرية في هذا المقطع عكست معاناة الشاعرة وهي تعاتب النهر ( الوطن ) وكيف التهم ابناءه ومن المحتمل ان تكون تلك الصورة معبرة عن حادثة جسر الأئمة التي راح ضحيتها مئات العراقين فكانت ابعاد تلك الحادثة ماثلة في مخيلة الشاعرة بكل قسوتها ومرارتها وهي تبتلع ابناء الوطن على الرغم من وعي ضمائر الناس في انقاذ بعضهم بعضا الا ان قسوة النهر ( الوطن ) لابناءه لم تعط فرصة اخرى وحيلة جديدة لهم فراح البعض يتصارع مع الموت حتى قضى على الكثير منهم .
ويبدو ان صورة المعاناة قد رزقت اعماق الشاعرة ومخيلتها قصائد اصبحت لوحة للبؤس الانساني وباتت احلام الناس ثمار ذلك البؤس
(3):

السدى وطنك واحلامك نبتت في بذرة بؤس
زرعتها في ارض مدورة ... فأنبتت رماحاً من زجاج
علام تصر على البقاء
وتقول الشاعرة في قصيدةاخرى لترسم ملامح التناقض صورا ً ايجابية وسلبية لما حصل للوطن وقد ارتسمت في مخيلتها فتسقطها منثورة من خلال لوحة قاتمة مليئة بتلك الصراعات
(1):
انا بنت حطامي
ولي وطن من عطر الورد
من ماء الورد
من دمع الورد
دم الورد
اه يا وطن القلب
منذ تورطنا بحبك المشروط بالقياس الاقرن
وانت تنصب رؤى ً خديجة وتضع الاصفاد في ايدينا زهرا ً ازرق
وتنتقل الشاعرة الى اسلوب اخر لعرض المعاناة التي ترتسم في مخيلتها عن الوطن الماساوي وهي صورة تجسد سخرية من الواقع الذي يعيشة ابناءه صغارا ً او كبارا ً
(2):-
هو اجمل مشهد في المسرحية
طبل صفيح يحمله طفل اعرج
ينادي من اخر طريق المظلم :
للبيع بلا ثمن
للبيع وطن
وتتابع الشاعرة رحلة مخيلتها وهي تصارع في ذاتها صورة المتناقضان الواقعية والتي تمثل هموم الانسان ومعاناته مع واقع الوطن فتقارن بين رؤية الاوطان في المنفى والمنفى داخل الوطن
(1):
قالت : في المنفى اوطان صغيرة نسميها اصدقاء
في الوطن مناف ٍ كثيرة تحمل كل التسميات
ثانيا: المكان المعادي
وهو المكان الذي يثير لدى الشاعر موقفا ً سلبيا ً منه و يثير مشاعر الخوف والقلق لما ينطوي عليه من السلبية وانعدام الالفة وهذه الاماكن اما ان يقيم فيها الانسان مرغما .. او ان خطر الموت يكمن فيها لسبب او لاخر
(2) وتتخذ فعاليتها طابعا ً عشوائيا ً يصعد عند الانسان فاعلية الاحساس بالخوف من المجهول فكلما زاد التشويش زاد شعور المرء بانه لا فائدة من عمل شي وهنا تواجهنا حلقة شريرة او سلم حلزوني حيث تؤدي الفوضى الى ارهاق الارادة ويؤدي ارهاق الارادة الى فوضى(3) اكثر وتتمحور هذه الامكنة بعد المساحة الموضوعية لها حول مكانين رئيسين المكان الواسع والمكان الضيق اما اعتبار المساحة النفسية لهذه الامكنة فانها بشكل عام ذات مساحة نفسية ضيقة فابعادها النفسية تنطبق حول ذات الشاعر خانقة حريته وامتدادها الموضوعي ليتحول الى ضيق نفسي عبر الاستجابة السلبية للمكان لما يجعل المكان معاديا ً بمختلف هيئاته مكانا ً له خصائص العبير والمستشفى والبحر من حيث المضايقة لحرية الروح والجسد(4)
واذ كانت القصائد التي اتجهت من خلالها الشاعرة لتعكس دلالات الوطن المقيد بالمتناقضات فانها قد اتخذت منحى اخر ورؤيا ضيقة وموقفا ً سلبيا ً معاديا ً في قصائد اخرى ففي قصيدة فراشات الاعياد تقول
(5) :
الاعياد :
هي ذلك الوطن
الملقى في المصح النفسي
لعقوق ابناءه البررة
نجد الوطن عند لدى الشاعرة يمثل الصورة السوداوية فالاعياد التي تحلم بها الشاعرة تتجسد في وطن ملقى في مصح نفسي ووصول تلك الاعياد الى هذه الصورة هي نتيجة لعقوق ابناءه البررة الذي اوصلوه الى هذا الحد بعجزهم وضعفهم ومحاربتهم لبعض ونلاحظ ان الموقف السلبي من الوطن يتخذ صفه العداء في فعاليته .
وهناك امكنة ذات دلالات معادية لكنها لا تعكس دلالات الوطن الذي نقصدة
وهو مدار بحثنا ولذلك سوف نقتصر على هذا المثال.

الاسطورة
الموروث الاسطوري والتراثي ودلالاته في التعبير عن الوطن وقد وجدنا في شعر شاعرنا المعاصر رهن تصرفة تراثا ً شديد الغنى متنوع المصادر فاقبل على هذا التراث ينهم ما يحتاج من ينابيعه السخية أدوات يثري بها تجربته الشعرية ويمنحها شمولا وكلية واصاله ، وفي الوقت نفسة يوفر لها أغنى الوسائل الفنية بالطاقات الايحائية واكثرها قدرة على تجسيد هذه التجربة وترجمتها ونقلها الى المتلقي 0
ويمكن تصنيف المصادر التراثية التي يستمد منه الشاعر المعاصر الى ستة مصادر أساسية وهي
(1):
1- الموروث الاسطوري 0
2- الموروث الديني 0
3- الموروث الفلكلوري 0
4- الموروث التاريخي 0
5- الموروث الادبي 0
6- الموروث الصوفي 0
لكن هذه المصادر ليست دائماً بهذا التمايز والانفصال لكن من بينها تداخل يمكن تجاهله ، على الرغم من كل ذلك فان لكل مصدر من هذه المصادر ملامحه ومواصفاتة الخاصة التي تميزه عن بقية المصادر 0
وبوصف البحث يسلط الضوء على دلالات الوطن في شعر أمنة محمود فأن النتاج الشعري ليس بالضرورة أن يستدعي كل هذه المصادر التراثية ولكن بحسب أستدعاء ذلك الموروث أو تلك الشخصية ومدى ملائمتها للتجربة الشعرية المختزنة في مخيلة الشاعرة فيما يخص دلالة الوطن 0

اولا ً : الموروث الاسطوري :-
يعد هذا المصدر أوثق مصادر تراثنا والتراث الانساني عموماً صلة بالتجربة الشعرية والاسطورة أحساس تتجمع فية المتنافضات بما فيها من مضامين أزمنة وامكنة وماأن تصل نقطة التجمع هذه حتى تسير مداخل الابداع ولاتخرج منه الاوقد أكتسبت أيقاعاً جديداً في مضمونه وزمانه ومكانه 0
فالمكان الاسطوري أضاءة رمزية فاعلة وبغيابها يصبح المكان غاتماً لامسوغ له سوى فهم قاصر للأسطورة وللدور الذي يمكن أن تلقيه في القصيدة ، وتبرز مقدرة الشاعر من خلال نسق الاستعمال الاسطوري لديه ، ولكي يستطيع الاديب أن يستخدم شخصية من شخصيات أسطورة ما عليه أن يستوعب أبعادها ويتمثله جيداً.
(1)
وقد وردت بعض الاساطير في شعر أمنة محمود فيما يخص دلالة الوطن وصلة استخدامها للاسطورة ممزوجة بتلك الدلالة (الوطن) نعرض هذا المقطع من احدى قصائدها :-
تفاحة :
ريم يا عصفورة الظلام
لا اسكن رأسا ً مملؤا ً بالضجيج
و لا اقدام اوديب بيتي
لكني تدحرجت من (باء) الفاتنة
(2)
تعكس هذه الصورة الشعرية مونولوجا ً داخليا ً تتحدث الشاعرة من خلاله مع (ريم) وقد اسمتها بعصفورة الظلام لقد تشكلت تلك الاسطورة من خلال رفض الشاعرة بسكن في مكان مليء بالضجيج وحتى تكتمل رفض الشاعرة لذلك السكن الذي يعكس دلالة الوطن فانها تستدعي اسطورة اوديب الطفل الذي كبر وقتل اباه وتزوج من امه حسب الاسطورة (اليونانية) واستدعاء تلك الاسطورة هي اكمال صورة الرفض المكاني الذي تعيشة ، ولكي تكتمل الاسطورة فقد تحدثت الى ريم معبرة عن رفضها للعيش في وطن الضجيج مع احبتها ومنهم ريم .
وفي قصيدة اخرى فأن الشاعرة تستخدم احدى الاساطير القديمة التي تعود الى العهد السومري وهي (نيدابة) وهي الهة القصب والاهوار راسمة من خلال استدعائها صورة تعكس رفض الواقع المرير الذي تعيشه :

غبار الدهشة اصطدم بالغيمة العقيمة
فأمطرت ماحي الالوان
مذ ذاك شوهد حمورابي
يعدو في الشوارع بحثا ً عن صلة
وتحولت نيدابة الى ندابة
تنفض عن يديها القصب
وتنعى الاهوار
(1)
وتزداد الصورة الشعرية رعبا ً وغرابة وهي تستدعي الشخصية التاريخية القديمة وهي (حمورابي) وأثار بابل القديمة المعروفة تستثني القوانين وتنظم حياة المجتمع فتجعله يركض في الشوارع ويبحث عن مسلته التي سنها للناس وكان ذلك الاستدعاء تعبيرا ًعن كل ماهو ينظم حياة الناس والمجتمع في ذلك الوطن فكان ذلك استدعاء تعبيريا ً عن تلك المعاناة .

ثانيا ً :الموروث الديني :- كان التراث الديني وما يزال في كل العصور يستمد منه الشعراء نماذج وموضوعات وصور ادبية والادب العالمي حافل بالكثير من الاعمال الادبية العظيمة التي محورها الشخصية الدينية او موضوع ديني او التي تأثرت بشكل او باخر بالتراث الديني واذا كان الكتاب المقدس هو المصدر الاساسي الذي استمد منه الادباء الاوربيون شخصياتهم ونماذجهم الدينية فان عددا ً كبيرا ً منهم قد تاثر ببعض المصادر الدينية الاسلامية وفي مقدمته القرأن الكريم واستمد من هذه المصادر الانسانية الكثير من الموضوعات والشخصيات التي كانت محور الاعمال الادبية العظيمة
(1)
وشخصيات الانبياء عليهم السلام هي اكثر شخصيات التراث الديني شيوعا ً في شعرنا المعاصر ، وقد دأب شعراؤنا المعاصرون على استدعاء شخصيات الرسل ليعبرو من خلالها عن بعض ابعاد تجاربهم المعاصرة ، واكثر شخصيات الرسل شيوعا ً في شعرنا المعاصر محمد (ص) وعيسى (ع) وموسى وايوب (ع) وغيرهم. وقد وظفت الشاعرة امنة محمود في قصائدها بعض الشخصيات الدينية وفي قصيدة (يوتيبايت) تقول :
رب (ما) ، ت الشهيد
د (م) مسيح اخر
يا وطني
(2)
لقد شكلت الشاعرة صورتها الشعرية في ذلك المقطع من خلال استدعاء رمز (المسيح) (ع) لرسم ملامح الشهادة والبعث من جديد ذلك ان صورة الوطن الجريح في مخيلتها وهو يمر بمحنة وتحتاج تلك المحنة الى من ينذر نفسه ويصحي بها من اجل ذلك الوطن، فالشهيد هو بمثابة صورة المسيح وهو يصلب ولكنه لم يمت فقد يبعث الحياة من جديد في ذلك الوطن وهذه اللوحة قد رسمتها الشاعرة بريشتها فهي تعبير عن تلك الماساة.
وهكذا نرى ان الشاعرة امنة محمود قد قدمت لنا من خلال قصائدها اروع مشاهد يمكن ان تحملها صور وتجليات شعرية ايات كان موضوعها فالشاعرة تحدثت بمشاعر صادقة واحاسيس عميقة عن الوطن من خلال توصيفها صورة لامكنة مختلفة عبرت بها عن نظرتها للوطن وما يمر به من الام ومحن وذلك من خلال الغوص عميقا ً في بحار الذات الشعرية واصطياد لئالئ ثمينة رائعة زينت بها نحر الوطن الذبيح.
المبحث الثاني
صورة الرجل في شعر أمنة محمودا شك أن الاديب كأي انسأن أخر يمتلك المشاعر والاحاسيس التي تتأثر بسرعة وفاعلية بالمشكلات المعاصرة , سواء أكانت هذه المشكلات أو القضايا وليدة البيئة والمحيط الذي يعيش فيه أم كانت وليدة العذاب الانساني العام الذي يحسهُ الناس جميعاً حتى في أكثر الاقطار نقيا أو انفراداً .
وحيث أن الاديب انسان يعيش ضمن مجموعة من البشر يتبادل معهم التأثر والتأثير ويشاركهم الهموم والتطلعات , فهو لا يعيش في فراغ زماني أو مكاني ولكنه يعيش ضمن مجنمع حيّ متحرك يهدف الى التطور والتقدم نحو الافضل , كما يهدف الى معالجة قضاياه الاجتماعية التي تقف عائقاً في طريق هذا التحرك المستمر والمتجدد فهو (( يتأثر بكل الوان الطيف الحياتي التي تنسكب في وعاء وجودهِ كأنسان يمثل طبيعة الوجود ، وهو كأنسان تاريخي يجب أن يرسم الطريق للاجيال الحاضرة والقادمة عبر أدبه الانساني الحَّر ))
(1) .
وينعكس هذا التأثير في النتاج الابداعي للرجل والمراة بوصفهما طرفي الحياة الانسانية , وتبقى هذه الثنائية ( الرجل والمراة ) قائمة في تصور المشكلات والهموم ، فكما أن للرجل مشكلاته وقضاياه مع المراة فأن للمراة همومها ومشكلاتها مع الرجل وإذا ما تيسر للرجل القدرة على الابداع والانجاز بفضل ما أتيح له من امكانات خاصة فان المراة قادرة أيضاً على الابداع فهي (( الجانب الذي يمثل تجربة الوعي بالذات والوعي بالاشياء .... الحياة الكاملة بلا فواصل ... والسائر على وفق حركة نماء مزدهرة دائماً ))
(2) . وتؤكد الباحثة كورنيلا الخالد أن (( الادب النسوي يهتم بتصوير تجارب النساء اليومية والجسدية ومطالبهن ووعيهن الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي كما يصف معاناة المراة في المجتمع ومشاكلها النفسية والآمها الناتجة عن صراعها الداخلي بين تحقيق ذاتها وبين الأذعان لمقاييس إجتماعية تهضم حقوقها الانسانية )) (3) . ويزخر الادب العراقي المعاصر بتجارب نسوية حافلة تمتلك عناصر ابداعية مضيئة يتجلى فيها الانفصال والتأثر بالبيئة والمشاكل الاجتماعية المحيطه بها . والشاعرة أمنة محمود واحدة من الاديبات المبدعات اللاتي عكسن إنتاجهن الشعري بما يحوي من امكانات تصويرية استبعابا لمشاكل الانسان وقضاياه .
وتتجلى صورة الرجل في نتاجها الشعري من خلال تجليات وصور شعرية كثيرة ، وهذه بالتالي ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمفهوم أخر هو الوطن .
صور وتجليات الرجل لدى أمنة محمود
أولاً : الرجل المثال
وهي صورة لشخصيات رجالية مثالية بالنسبة للشاعرة لما تحمله هذه الشخصيات من سمات إنسانية نبيلة تكاد تقترب من الكمال , كذلك لما لهذه الشخصيات من تأثير في حياة الشاعرة بصورة ايجابية لذا نراها قد أحبت هذه النماذج وعبرت عنها بصدق وشاعرية جميلة , فالشخصية المثالية هي شخصية نادرة بطبعها ولكن على الرغم من ذلك إستطعنا أن نخرج بنماذج عديدة لهذه الصورة فمثلاً في قصيدة
المجد لمخالب القطط الدؤوبة
وهي تبحث لها عن اوطان في ضواحي الرحيب
لك العتبى وانت تقود غياهن
أقمار منزوعة النور ... كي ابصر السفن
(1)
لعل لقطط أمنة مفوهاً مغايراً للمتعارف عليه ، فهذه القطط ذات المخالب والتي تنهشت في ضواء مقفر ينشر الرعب اشدة سكونه ، وهذه المخالب التي لا تنفك تبحث عن وطن داخل هذا الفراغ المظلم ، ولكن ما أن جاء المنقذ الفارس الرجل المثالي حتى بدأ بطرد هذه القطط والقطط هنا رمز للافكار السوداء التي تسللت الى لا وعي الشاعرة نتيجة للفراغ العاطفي والحي الذي تمر به وليعلنى بدء كون روحي مضيء بعد أن كانت أقماره مندثرة ومنطفئة وقد دفع هذا الرجل المنقذ الشاعرة الى الانطلاق بيعدأ في بحر الامل المضيء بفضله و قدم لها أسمى ما يملك من معان ومشاعر منقذة تجاه هذه المراة المنكوبة .
أما في قصيدة ( أحمر ... أحمر )
حبك لؤلؤة حمراء
تقطن بوبات عيوني
وأرى العالم من عينيها
أحمر ... أحمر
(2)
فأن الرجل أضحى جوهرة ، إن اجتماع جوهرة ثمينة وصعبة المنال واللون الاحمر ليضفي بالشيء العميق اذ إن من المعلوم أن اللؤلؤ أبيض اللون ولكن عندما وسمته الشاعرة بالاحمر اصبح له دلالة مغايرة وهي أن هناك فيضاً واسعاً من المشاعر تكنها لهذا الرجل المثالي وذلك لما قدمه لها من أمنيات وأحلام ولكنه لم يصل بها الى أرض الواقع فأصبحت كأنها لؤلؤة حمراء وأيضاً للون الاحمر بعد فكري فلعله يرمز لدموية وحماوة مشاعر انسانة كانت كثيرة حتى أصبح كل شيء بالنسبة لتلك المراة أحمراً بلون الدم . وتستمر الشاعرة بعرض نماذج متنوعة لصورة الرجل المثالي في قصيدة ( اساطير الربيع ) اصبح بطلها المثالي اسطوره بطبعه :
صافح مبداس مبدوزا
في اللحظة التي نظرت اليه
فانتحال الاثنان صخراً ذهباً
ومن قلب الصخر إنبثق النفط
(1)
من المعروف في الاساطير إن مبداس هو ملك يحول كل ما تلمسه يداه الى ذهب ، ومندوزا هي ملكة أو ألهة تحول كل من تنظر اليه الى حجر وهذه الرموز الاسطورية لها دلالة فكرية ناضجة إذ إن الرجل والمتمثل بالملك ( مبداس ) يرى كل شيء أمامه جامدا ً فاقداً لصحويه ، يرى الاشياء كائنات حجرية متصلبة وذلك لانه ( رجل ) حازم في أموره مستبد برأيه وصارم باتخاذ قراراته ، ويبدو أن هذه السمات تعد من السمات المحببه لدى الشاعرة التي اصبحت ترى كل شيء من حولها ويلمع جعلت كل شيء من حولها ذهباً برقتها وحبوتيها . وهكذا أنبا ان الاقتباس عندما التقيا وتوحدا انثقت عنهما النفط . ودلالة النفط توحي بالعطاء وبذل الخير , وهكذا صار هذا الرجل المثالي بمزاجه وخصاله وإنسجامه مع الحبيبة معدناً ثميناً بدلاً من حجر باهت .

أما في قصيدة ( الفرحة ) فقد قدمت الشاعرة إنموذجاً لرجل منكر
(2):
ياللفرحة
ان يصبح قبرك المرسى
ودموعي نوارس سود
والسرب بصرنا
يبتلع السفينة
من خلال نبرة هذه القصيدة يظهر أنها تعبر عن خيبة أمل وإنكار لرجل كان صرحاً وغدا قبراً ولكن الحبيبة ترى دموعه قد اصبحت نوارس سود تلوح فوق القبر , ان هذا المشهد الدرامي التصويري يعطينا بعداً نفسياً عميق الآثر , فهذا الرجل المثال الانساني البحث يستحيل الى مجرد ذكرى أليمة حولت المرسى قبرا ً والابيض اسودا ً , ان هذه الذكرى بعد هذا المشهد المؤلم تعود الشاعرة لاظهار مشاعر دافئة متفائلة من خلال إنموذج أخر لرجل مثالي مشرق
(1)
صباح الخير
حتى في الماء
لأن الشمس لا تشرق
إلا لهذا البهاء
إن هذه الومضة الشعرية الرقيقة بكلماتها العذبة لا تحتاج الى الكثير من التفصيل لأنها أهديت الى رجل أقل ما يوصف بالبهاء , حيث اصبحت الشمس . هذا الكوكب الباهر تشرق إجلالاً لهذا الرجل . وهذه التعابير البسيطة والعميقة في الوقت نفس توحي بعظمة هذا الرجل واسطورة صفاته , كذلك تشير الى عمق المشاعر تجاه هذا الحبيب .

نجد في هذه الومضة مفارقة طريفة وهي أن السلام الذي تنشده في الصبح اضحى ينشد في المساء إجلالاً لها وتستمر أمنة في عرض نماذج الرجال المتفائلين القريبين الى نفسها ومشاعرها حيث تقول
(2) :
أينما أكون تكون قبلي
في المرآة والدواة
تفتح لي باب الحلم ... تسبقني
حتى صرت ضيفة نفسي
يا قلبي وأناي وكُلي
الرجل في هذه القصيدة رائد للمشاعر وسابق الاحساس فهو اذ مبادر يبذل ويضحي أولاً من دون أن ينتظر ماذا يقدم له الاخر أو ماذا قََدَمَ , بل على العكس غذ نراه يسبق حبيته ويحتويها , ودلالة المراة في الشعر دلالة عريقة فليس هناك شخص يوصف بالمراة إلا ويكون هو توأم الاخر وشبيهه ، كذلك نرى أن هناك مفارقة وهي أن الشاعرة اصبحت نفسها وهي مفارقة نادرة تدل على امكانية أو تمكن هذا الرجل من مشاعره حتى اصبح يملك كل شيء حتى نفسها ولا وعيها ثم تعرج الشاعرة بعد ذلك الى ذكر الحبيب المثالي في عدة نماذج شعرية منها :
حبيب الكلمات الودودة
حبيب النعمة البعيدة
حبيب الشهيدة
والاميرة المؤودة
حبيبهن أجمع
(1)
الرجل هنا هو رجل عاشق مثالي بعشقه فهو صاحب كلمات جميلة وصاحب طموح كبير وأحلامه بعيدة ’ وكذلك بعد هذا الحبيب إنسان عطوف تجاه من يحب . في هذه القصيدة نجد عبارات متضادة واخرى مترادفة مثلاً لفظتا ( الشهيدة ) و ( المؤودة ) وهما ثان لفظتان مترادفتان تشيران الى معنى سياقي واحد هو الظلم وسلب الحياة . كأن الشاعرة أرادت بهذه الالفاظ أن تقول أن هذا الحبيب المثالي والعاشق المتبول يهب مشاعره لمن يعشقها بغض النظر من تكون او ما هي كذلك في هذه القصيدة تتحدث الشاهرة عن الحبيب المثالي :
أنت محبة .. وانا احبها
أنت امل .. وانا بلا امل
أنت غياب .. تمتلك حضوراً دائماً فيَّ
أنت قسوة .. أفتقدها
أنت انا .. حتى نلتقي
(2)
هذه القصيدة جمعت كل السمات القربية الى هذه الحبيبة ، فالرجل هنا هو الامل والمحبة والحضور الدائم . وهذه سمات بديهية للرجل المثالي . ولكن السؤال هنا ماذا أرات هذه الحبيبة بهذه المعاني ( القسوة ، الحنين ، الذي لم يتجسد بعد ) للاجابة على هذا السؤال ينبغي ان نفهم اولاً ماذا ارادت من هذا الرجل ؟ أنها ارادت ان تصنع منه نسخة شبيهه بها ، أرادته توأماً يكملها وذلك كله كي تحسسه بمدى عمق الحب الذي تكنه له . لذلك أرادت بالقوة تضاهي وبالحنين الذي لم يتجسد هو الحنين الذي يتجسد عندما يلتقي هذان التوأمان ( الحبيبان ) لانهما واحد كما تقول هي في نهاية القصيدة ( أنت .. أنا حتى نلتقي ) في المرحلة الاخيرة من صورة الرجل المثال الذي بدأ صلباً ثم تدرج الى رجل متفائل وبعدها اصبح حبيباً استحال في نهاية الامر الى حلم زائف حيث تقول :
من أجلك قلت سأصنع حباً من حزن
قلت سأمحو حزناً من قلب
كنتُ احاول اصلاح إبتسامتك
لم لم يخطر لي ببال .. أن ينطق وجهك
في أبكم هذيانه : ممنوع العبور
(1)
في هذه القصيدة نلمس نبرة عتاب وشعور بخيبة امل فالرجل هنا وعلى الرغم من كل التضحيات التي قدمتها له الحبيبة وكذلك على الرغم من كل ما وهبته ، حتى أنها لغرض حبها له أصبحت ترى الحزن حباً ومحت كل الذكريات واستدركت تصليح ابتساماته المزيفة ولكنهُ قابلها بجمود . كذلك نلمس في هذه القصيدة أن الرجل كان مثالياً بالنسبة لمحبوبته ولكنه اضحى مجرد حلم زائف ووهم .
ثانياً : الرجل الحقيقي ( الواقعي )
ان الرجال الواقعيين لدى أمنة محمود لهم شخصيات وأنماط كثيرة متنوعة ولكن ابرز الرجال الواقعيين لدى الشاعرة ينقسمون الى قسمين :
أ‌- الرجل الحقيقي الايجابي :
الرجل الايجابي عند الشاعرة هو حبيب بالدرجة الاولى ، وقد قدم هذا الحبيب الكثير من المشاعر والاماني حتى اضحى كل ما كتبت في هذه الصورة عن هذا الحبيب فتراه تارة متفائلا ً , عاشقاً صادقاً وهادئاً فالرجل الايجابي عند الشاعرة هو حبيب بالدرجة الاولى ، وقد قدم هذا الحبيب الكثير من المشاعر والاماني حتى اضحى كل ما كتبت في هذه الصورة عن هذا الحبيب فتراه تارة متفائل , عاشقاً صادقاً وهادئاً ة اخرى نراه بطلاً يذود عن محبوبته ويحتويها بكل تفصاليها ومزاياها السلبية منها والايجابية وأيضاً كما أنبا في صور الرجل المثال ، نرى في صور وتجليات الرجل الواقعي من تدرجات ونماذج لشخصيات متعددة فمثلاً نبدا بقول الشاعرة في قصيدة :

على عجل
ورأء شباك .. يطفيء السيجارة
حين أدخل .. ويفتح الشباك
كأنني أمه
التي يحب ألا تغضب
أو تثور
وبينما ينكب على الكتب .. ودونما شعور
بنيت من ظهره .. جناحا ملاك
(1)

الحبيب هذا ودود بطبعه وهادئ , رقيق متزن في تصرفاته , وقد وصفته الشاعرة بالملاك ويكفي هذا الوصف الذي له دلالة أدبية عميقة إذ إن من المعروف أن الملاك كائن عظيم منزه فهو كائن سماوي مقدس مطيع لأمر ربه , وهذه ميزة أخرى تضاف الى الحبيب الوفي .
أما في قصيدة ( مسلة حب )
(2) فاضحى الحبيب فيها انموذجاً متكاملاً احتوى اسمى المعاني النبيلة التي يمتلكها العاشق :
أحبك
أهرب منك للا أحد
أنسج جباً ضوئية
أتوارى .. أشتاق .. أتية
هنا الحبيبة هائمة وضائعة في هذا الحب والرجل والرجل في هذه القصيدة هو نموذج لرجل واقعي ايجابي متكامل فقد احتوى مشاعر هذه العاشقة , تغلغل الى اعماقها لانه بكل بساطة يعرف كيف يجدها ويحتويها ويضمها إليه , لذا اصبح من المستحيل أن تتركه أو تهرب منه .
نرى أن أمنة محمود عند عرضها وتعبيرها عن تضحية الرجل الايجابي أنها تتغير الالفاظ المبسطة ولكنها الفاظ ذات دلالات عميقة ومتأصلة ومعبرة عن مشاعر دافئة وصادقة فمثلاً في قصيدة ( المهرج )
(1) وإن كانت هذا التسمية بعيدة عن تسميتها الاصلية ولكنني ارتئيتها اعتمادا ً على معنى القصيدة ومضمونها :
ما أقسى المطر
حين يزيل بكل بساطة
الوان وجهك
وجه مهرج أحبته طفلة
تحلم بالفرح
في هذه القصيدة تقدم الشاعرة أيضاً انموذجاً عن الحبيب الهادئ المتكامل فالرجل(الحبيب) قد وصف بالمهرج وكما نعلم فأن للمهرج وجهان ( معنيان ) :
الاول : معنى سلبي حيث تكون شخصية مزيفة غير مغطية لحقيقتها وهي شخصية تافهه مهزوزة .
الثاني : المعنى الثاني مغاير للمعنى الاول تماماً وهو المعنى الذي قصدته الشاعرة وهذا المعنى يشير الى البهجة والسرور لأن المهرج بطبعه هو شخص يرتدي أزياء خاصة ويلون وجهه ويفتعل حركات تثير الضحك فهو رجل ظريف مبهج وهذه المشاعر عادة يفهمها الاطفال لأن أدراكهم لا يتعدى مستوى بصرهم لذلك أصبح هذا الرجل الايجابي المبهج هو كشخص المهرج في حين اصبحت الحبيبة طفلة تعشقه أما المطر الذي وصف بالقسوة ـ وهي مفارقة ـ لأنه أزال بكل بساطة الوان المهرج فلم تعد تراه هذه الطفلة كما اعتادت .
ب‌- الرجل الواقعي السلبي
الرجل السلبي هو الرجل الخائن الغدار , غير المبال بمشاعر الأخر , الضعيف , المرائي والناكر للجميل , وهو المتغطرس , الجارح والقاسي والاناني , وهذه الصفات السلبية لشخصيات رجال الشاعرة أظن بأنها قد أستلهمتها من تجارب غيرها من النساء أو ماتراهُ امامها من تجارب عشاق وهميين ومخادعين .
إن الرجل السلبي عند أمنة محمود تجسد في شخصيات يمكن أن يقال عنها بأنها شخصيات كانت أمراض نفسية , بشخصيات عاجزة ومحبطة ومستسلمة لذلك قد اصابت هذه الشخصيات كل من اقترب منها بالبؤس والالم . وقد جاءت هذه الصفات لشخصيات الرجل السلبي في عدة انماط منها شخصية الرجل الخائن كما في قصيدة :



يا ضوء قلبي لا تكترث
خيانات صغيرة لا تقتلني
وإن كانت تؤذيني
تسل حبيبك كأنك لم ترني
(1)
هذه القصيدة توضح وبكل بساطة شخصية سلبية أو بالاحرى صفة سلبية وهي الخيانة لأنه متى ما اكثرها الشخص وسم بها , فهذا الرجل السلبي الخائن والكاذب الذي استمر بخيانته غير مبال لمشاعر حبيبته التي أستسلمت له مع علمها بخيانته ولكنها لا تملك شيئاً مبال مشاعرها لذا رضخت بكل بساطة لمشاعر هذا الرجل غير المبال . كذلك نلمس لدى الشاعرة نمطاً آخر لصورة الرجل السلبي وهي قريبة من الاولى ألا وهي شخصية المرواغ الغدار :
تسير نحوي كبطريق كهل
فاجأته عاصفة ثلجية
أيها الانيق الذابل الشريد
عد بسلام لدفيئتك المضيئة
قد ماتت الفرحة
التي كان على حضورك صنعها
أنت لا تجيد صناعة الفرح
(2)
الرجل هنا وكما أسلفنا هو رجل مخادع غدار وناكر للجميل غير مبال بالواقع فقد هجر حبيبته , ترك حضنها الدافئ الذي كان يأويه فاصبح من بعدها كبطريق كهل أي اصبح انسانا ً ضعيف الارادة أمام مصاعب الحياة , رجل ضعيف الشخصية لا يجبد اتخاذ القرارات لذا نرى بانه ما ان ترك دفيئته المضيئة تاه في عاصفة الحياة , كذلك من صفاته السلبية الاخرى إنه رجل دائم الحزن لا يعرف حتى كيف يصنح إبتسامة هادئة على شفتي حبيبته وذلك لفرط عجزه وضعفه . اما الصورة والشخصية الاخرى التي اخترتها فهي شخصية الرجل ( الحبيب ) السلبي الجارح غير المبال :


حبيباه
مرحك يحول
بين قدميَّ وطريقي اليك
بين اصابعي وأخر رقم لهاتفك المحمول
جرحك تجول
(1)
في هذه الومضة القصيرة تتحدث الشاعرة عن جرح عميق مؤلم له ندب لا تزول لشدة ألمه وغورهِ بسببه رجل بليد أحمق وقاسي , غير مكترث بما فعله ولكن على الرغم من ذلك فأن هذه الحبيبة ما زالت متحيرة فهي واقفة في منتصف طريق محتارة بين العودة الى الماضي والمؤلم وبين المضي قدماً وفي صفحة الماضي قد وأرى من خلال قراءتي لشعر أمنة وبخاصة مما يتعلق بصورة الرجل السلبي الواقعي وتجلياته أن الشاعرة منحازة الى كفة الرجل مهما كانت صورته او شخصيته , فمثلاً في قصيدة ( تصبح أوضح ) نراها تتحدث عن عاشقة كانت تعلم بشخصية رَجُلُها وسلبياته على الرغم من ذلك وقعت في حبه :
تصبح أوضح
وأنت تجرح
كنت حتفي .. وكنتُ اعلم
ولم أكترث حين خطوتُ إليك
بمحبةٍ ( حينها ) وبانتحار
(2)
الرجل هنا سلبي بطبعه وليس سلبياً لانه فعل امراً مؤذياً , لذا من الطبيعي ان تصدر عنه هفوات فالذنب لايقع عليه وحده , بل يقع على حبيبته التي خاطرت بنفسها ودفعت بها الى الهاوية مع علمها منذ البداية بانها ستصل الى تلك النهاية المأساوية .
ثالثاً : الرجل اليوتيبي (الاسطوري)
كما عند الشاعرة آمنة صورة إسطورية ( يوتيوبية ) عن المكان وتجلياته , كذلك لديها صورة يوتيبية عن الرجل .
وبعد ان استعرضت صور وشخصيات متعددة وهي : الرجل المثال والواقعي ( الايجابي والسلبي ) رايت ان هناك حضوراً لابأس به لصورة الرجل اليوتيبي ونماذجه تدور حول ابطال وشخصيات اسطورية معروفة ذات صفات انموذجية :
في راسي ارث جدودي
وفي يديك تعويذة خلودي
وبين يديك سينام رأسي
(1)
وفي هذه الومضة الشعرية يظهر لنا بطل يوتيبي يحمل تعويذة خلود فهو رجل ذو معانٍ سامية وفريدة وقد اخوى راس محبوبته وافكارها فاصبحت بين يديه طائعة .
وتستمر الشاعرة بعرض نماذجها الاسطورية وقد تخيرت لها الفاظاً ذات دلالات اسطورية ايضاً :
بين كفيك بحر
لا يعرفه سواي
بين كفيك بدر
لايضيء لغيري
بين شفتيك قطعان
فراشات تساقطن اكواني
(2)
فالرجل اليوتوبي هنا هو رجل مكتمل الشخصية , وذلك ما لمسناه من خلال مفردات حملت معان يوتوبية ذات ابعاد فكرية وادبية مثل مفردة البحر في قوله ( بين كفيك بحر ) فمن معانيه الغموض وبأنه مكمن الاسرار وكذلك للبدر معان لطيفة كالجمال والعطاء وايضا الفراشات فهي ليست وصفاً غريباً على الشاعرة التي لطالما اكثرت من ذكر الفراشات في ديوانها اذ تمثل عندها رمز للحرية المطلقة وكذلك الحياة القصيرة .


اما اجمل قصيدة وصفت الرجل الاسطوري واضفت اليه معانياً راقية وجميلة هي قصيدة ( مسلة حب ) :
ساسأل الماء كثيرا عن
ساحاول ان اتخيل الاجابة
واعلم الاجابة
لانك الملك على امورهم
ولانني الكتابة
(1)
فما اجمل ان يوصف الرجل بالملك لانه احب الاوصاف الى قلبه , والرجل اليوتوبي هنا هو شخص قوي صلب يمتلك زمام امره , رجل مسيطر , وهذه الصفات محببة الى الشاعرة لانها وكما اسلفنا تبحث عن رجل اسطوري بطبعه ومن ثم فانه من الطبيعي ان تضفي عليه معان خيالية لاوجود لها على ارض الواقع .
رابعاً ـ مزج الرجل بالوطن :
من المعروف لدى آمنة انها شاعرة مؤمنة بان الرجل هو الوطن , لانها وفق نظرتها اليه يحمل سمات وخصائص ودلالات الوطن فهو يحتوي احلام الشاعرة ويفرح عندما تفرح , وكذلك هو يستمع لشكواها والامها واحياناً هو سبب عذابها وكذلك سرورها ونجاحها فالرجل ( الوطن ) هو الحاضن الاول والاخر لها فهي مهما ابتعدت عنه تشعر بالغربة وبالحنين الدائم له , فهذا الرجل ( الوطن ) قد يكون اباً حنوناً او اخاً عطوفاً او حبيباً مخلصاً , كذلك يمكن ان نعد الوطن هو الرجل ونضيف اليه سمات انسانية فنراه احياناً حبيباً يغدر ويجرح وعلى الرغم من ذلك نحبه , ونراه احياناً اخرى انموذجاً مثالياً .
وقد أرتئيت أن استهل شخصيات بقصيدة ( الشاعر الشهيد ) لما تحملة هذه القصيدة من دلالات عميقة الاثر :
إبتسم
إن كنت لا تستطيع أن تصرخ
من إمتداد جرحك وطناً مجزءاً
إبتسم
وأنت تجمع اشلاء الشهيدة
تنزعها قمحاً لعصافيرك الهائمة
بانتظار موسم
كلما إمتّد الالم أنهاراً بين حدود خريطتك
الوليدة
دع القصيدة جانباً .. رتّق جراح الخريطة
(1)
تشير القصيدة الى معاناة رجل داخل وطن ممزق لا يستطيع حتى الصراخ لطلب النجدة بل نراه يبتسم لكنه لا يبتسم رضوخاً بل إباءاً وشموخاً وهو صابر بشاهد أمامه كيف أن آشلاءه تناثرت وخارطته تمزقت كأنها ورقة فيها قصيدة لشاعر مفجوع بحبيته وبوطنه ولكنهم للاسف مزقوا حتى القصيدة .
وتنتقل الشاعرة بعد ذلك في فضاء الامكنة والاوطان وعلاقتهما بشخصية الرجل , فمثلاً في قصيدة ( حارس مقبرة الاحلام ) :
حارس مقبرة الاحلام
أتنكر وأزورك
يا حارس مقبرة الاحلام
حلمي متعب
بالامس عاد من منفاه
حاملاً كتب التاريخ
لماذا هجرتك
أنت لست حقيقاً
(1)
نجد المكان يدور حول المقبرو وللمقبرة في الادب دلالة توحي توحي بالنهاية توحي بالبداية نفسه , فهي مكان مكان ينتهي إليه الاموات وكذلك مكان يحيا فيه الاموات حياة جديدة في العالم السفلي ونرى أن الشاعرة وضعت لهذه المقبرة حارساً يعاني من فراغ وضياع وقد أضحت تناجية بحلمها العائد من منفاه ولكن دون جودى لانه هذا الرجل ليس حقيقياً إنه رجل ( وطن ) مقفر خاوٍ .
وهذه القصيدة مستلهمة من قصيدة ( حفار القبور ) للسياب إذا فيها تناص بالمعنى .
الصورة النهائية للرجل عند الشاعرة
وهكذا استعرضنا في البحث صورة الرجل عند أمنة محمود وتجلياتها وشخصياتها , وقد بدأت بالرجل المثال ورأينا أن له نماذج كثيرة بعضها متقاربة وأخرى متباينة . كذلك بالنسبة للرجل الواقعي ( الايجابي والسلبي ) فصوره متنوعة بين حبيب وفي ورجل سلبي بطبعه ورجل مخادع .
أما صورة الرجل اليوتوبي فهي من اجمل الصور لانها أحتوت معانياً لشخصيات رجال إسطوريين .في حين اخذ الرجل ( الوطن ) نصيبه وقد أخترت له إنموذجين الاول الرجل وبداخله الوطن والثاني فضاء بداخله رجل .

المبحث الثالث
تقنيات بناء قصيدة أمنة محمود

المنهج الشعري :- هو قائمة من الكلمات المنعزلة التي ترد بنسب مختلفة في انشاء نص معين ، وكلما ترددت بعض الكلمات بنفسها أو بمرادفها او التراكيب يؤدي معناها
(1) وبذلك فان المعجم الشعري يمثل مجموعة المفردات والتراكيب التي يتشكل منها الشاعر مادتة اللغوية ويعد من اولى العناصر الشعرية التي تتاثر بالتطور الحضاري لأرتباط اللغة بقوانين التطور(2) 0 وظهرت في شعر امنة محمود كذلك الفاظ وعبارات أجنبية واسماء الالات جاءت بها الشاعرة لتدعيم فكرة معينة لنص معين. وقد استنكرها بعض النقاد ومنهم د.داوود سلوم لقوله ( أنها تفسد غموض الشعر وجمال التهوية اللاشعورية التي يهئها الوزن والنغم واللحن)(3)
الاسلوب :- هو النوال الذي ينسج فيه المبدع تراكيبه او القالب الذي يفرغ فيه افكاره وتصوير ما في نفسه من عواطف وانفعالات ونقلها للاخرين وعليه فان الاسلوب لا يمثل طرائق الاداء اللغوية فحسب وانما هو منحى الكاتب العام وطريقته في التاليف والتعبير والتفكير والاحساس على السواء
(4)، فهو مركب فني من العناصر المختلفة التي يستمدها الفنان من ذهنه ومن نفسه وذوقه فتلك العناصر هي الافكار والصور والعواطف ثم الالفاظ المركبة والمحسنات المختلفة ثم ياتي بعد ذلك السياق فالسياق من نظريات الحديثة التي ظهرت في الغرب ويعنى السياق بدراسة المعنى عن طريق توظيف ما يحيط بالموةقف الكلامي كله من قرائن لفظية وحالية ومقاميه(5)
وعلى وفق التتقسيم الاتي :-
اولا ً . الصورة الشعرية :- وهي احد العناصر المهمة في تكوين النص الشعري فهي بيئة تتشابك فيها العلاقات وتتفاعل لتنتج الاثر الذي ينفتح على العمل الادبي ويضيئ ابعاده وهذا الاثر لا يأتي من فراغ بل هو نتيجة طبيعية لفاعلية الصورة وقدرتها على الكشف وتفجير الطاقات الايجابية عند المتلقي
(6).

وكذلك تعد الصورة الشعرية كيانا ً يتعالى على التاريخ
(1)، وهي قدرة بناء الشاعر في استعمال اللغة استعمالاً فنيا ًيدل على مهارته الابداعية مما يضفي على النص بعدا ً جماليا ً فضلا ً عما يحدثه من دلالات تعطي خصوصية للمعنى(2) وللشاعرة أمنة محمود لغة شعرية فريدة وظافرة بصور وتراكيب والفاظ رائعة في صياغتها ونسج اسلوبها، وكثرة الصور الشعرية التي كتبت فيها الشاعرة تنوعت بين الرد الحكائي والرمز الاسطوري كذلك وجدت لدى الشاعرة تناصا ً لكنها جاءت به لتدعيم افكارها
1. الرمز الاسطوري :-
عندما تتعدد ابعاد الميثولوجيا تظهر العلاقة واضحة بين الاسطورة والادب في المغزى الاسطوري الذي يرتدي قالباً شعرياً وادبياً 0 يعكس التنقيب النفسي للاثار الادبية ، والاسطورة بعلاقتها مع الادب تظهر انها وهم او قصة خيالية أو صورة رمزية تتضمن بعدا ً فلسفياً يكون اساساً لأنتاج أدبي مشهور ويكمن سر تألق التحفة الادبية في انها تجمع حقيقة انسانية الى جمال فني في قران صادق بينهما مما يؤدي الى خلق الاسطورة ، الشاعرة امنة محمود أستلهمت وصنعت أفكارا ً ورموزا ً أسطورية أنموذجية متنوعة ومستوحاه من تراث أغريقي ولاتيني وكذلك رموز دينية
(3) فمثلاً في قصيدة (غبار الدهشة) نراها تستخدم رمزاً أسطورياً من أصل تاريخي وهو (حمورابي) مع انه شخصية حقيقية تقول(4) :

غبار الدهشة أصطدم بالقمة العظيمة
فامطرت ماحيةً الالوان
مذ ذاك شوهد حمورابي
يعدو في الشوارع بحثاً عن مسلة
وجاء رمز الاسطوري هنا دعماً لفكر القصيدة ومعناها وهي تتحدث عن ضياع ممتلكات وطنها ونهب ثرواتة 0 كذلك عمدت الشاعرة الى استخدام رموز أغريقية لألهه وملوك اسطوريين وكما جاء في قصيدة (اسطورة الربيع)
(5) :
صافح ميداس ميدوزا
في اللحظة التي نظرت اليه
فاسحال الاثنان صخرا ً ذهبا ً
من المعروف ام (ميداس) و (ميدوزا) كلاهما ملكان اسطوريان احداهما يزعم انه يحول كل ما يلمس الى الذهب والاخر يحول على من ينظر اليه حجرا ً. وهو رمز اسطوري رائع
2. السرد :-
هو طريقة القص الروائي وهو السند الذي تلتحم من خلاله عناصر المتن الروائي وبذلك فأنه يبرز امامنا مشاهد وحركة شخصيات وعليه فأن قضية (السرد) تتوقف على مهارة الحكاية وموهبتها والسرد في الشعر يختلف عن الرواية او القصة، فهو في الشعر يأتي في صيغة مشهد معين يحمل فكرة معينة او من خلال حركة بطل او شخصية داخل القصيدة وللشاعرة امنة محمود نصيب من المتن السردي الذي جاء على هيأة مشاهد موحية ومعبرة
(1)

ففي قصيدة (مسلة الحب) :
أحبك
صوتك البعيد يصحبه الهتاف
الطبول والتأبين
تصحبه الاسرة المصفوفة

في هذه القصيدة نحن امام مشهد وصفي حكائي حيث وصفت الشاعرة المشهد من خلال مكان وشخصيات وحدث متسلسل مشاعرة متقدة اتجاه شخص وهذا اكثر ما رايته عند امنة محمود التي احيانا ًتؤلف قصة مصغرة داخل قصيدتها تعبر فيها عن حالة معينة واحيانا ً اخرى توظف قصصا ً مشهورة تديربها حركة فكرتها في القصيدة. وللشاعرة براعة فائقة في تسلسل وصف المشهد حتى تشعر المتلقي انه امام شاشة سينما ينظر ويسمع ويشاهد
(2):
ما اقسى المطر
حيث يزيل بكل بساطة
الوان وجهك
وجه مهرج احبته طفلة
تحلم بالفرح

في هذا المشهد تدرجت الشاعرة في عرضة فبدأت بالمطر وكيف انه بدأ يزيل الوان وجه المهرج فجعلتنا نتخيل كيف ان الوان وجه المثل بدأت تتقطر حتى الت تدريجيا ً عن وجهه فظهر وجهه الحقيقي.
3. التناص :-
هو تعانق النصوص بعضها ببعض وهو تداخل النصوص ببعضها عند الكاتب طلبا ً لتقوية الاثر، والتناص نوعان تناص بالمعنى (الفكرة) وهو ان يعمد الاديب الى تضميين فكرة معينة لاديب غيره ضمن صياغة جديدة والفاظ مختلفة ، والنوع الثاني هو التناص بالمعنى والالفاظ وهو ان ياخذ الاديب عبارة معينة او حتى لفظة ذات دلالة سياقية من اديب اخر ويضمنها في قصيدته.
وليس بالضرورة ان يكون التناص من نص ادبي بل قد يكون من اسطورة او كتاب ديني كالقرأن الكريم مثلا ً اذا انتهل منه الادباء اعظم المعاني، وقد رأيت عند الشاعرة امنة محمود كلا النوعين من التناص وجاء عندها التناص رائعا ً ومنتقى ، ففي قصيدة(حارس مقبرة الاحلام) وجدت أن الشاعرة حاولت طرح فكرة الغربة والوحشة ونهاية الحياة ولا يغفل علينا ان الشاعرة عبرت في هذه القصيدة عن وطن موحش وكذلك عن شاعر ممزق وقد وجدت عندها تناصا ً بالفكرة مع السياب في قصيدته (حفار القبور) فالسياب تحدث عن حفار القبور وعن المقبرة معبرا ً بذلك عن حال وطنه العراق
(1):

يا حارس مقبرة الاحلام
حلمي متعب
بالامسعاد من منفاه
(2)

وكذلك قصيدة السياب (حفار القبور) اشارت الى الوطن والمنفى والغربة. كذلك رأينا عند الشاعرة تناصا ً بالمعنى ايضا ً في قصيدة (تفاحه) مع القصة الاسطورية المشهورة (اوديب) وهي ملحمة اسطورية يونانية ، وكما نعلم فأن مغزى القصة هو الحقد والخطر المخفي الذي تجسد في شخصية اوديب الابن القاتل . اما قصيدة الشاعرة فتتحدث عن وطن (فضاء) يخلو من الحقد والخطر عن مكان لا وجود لاسطورة (اوديب) فيه. وهو تناص بمعنى مغاير لمعنى النص الاول (اوديب) على خلاف قصيدة السياب (حارس مقبرة الاحلام) حيث راينا فيها التناص بنفس المعنى وفكرة النص نفسها الاول (نص السياب) وهكذا نرى ان الشاعرة قد وظفت ثقافتها ومعلوماتها الادبية في شعرها وقد انتقت ارواح الافكار والنصوص لتعبر بها عن كوامنها النفسية والروحية.

4. التضاد :- فن بديعي يراد به الجمع بين كلمتين مختلفتين لفظا ً ومعنى ومن خلاله تتضح الرؤى والافكار التي يود ان يعبر عنها المبدع لحل وضعها (الالفاظ) بصورة متقاربة يحقق سهولة في الادراك ووضوحا ً في المراد من دون ان يأتي به الشاعر تكلفا ً او استكراها ً، وكأن المعاني تقود الشاعر الى طرح قضية اجتماعية او انسانية عامة
(1).
ولقد وجدت لدى امنة تضادا ً في قصائدكثيرة جاء لتوضيح معنى خفي وكذلك ليعطي مزيدا ً من الايحاء لدى التلقي فمثلا ً في قصيدة (الاعياد) نجد هناك تضادين لفظة (الحقوق) ولفظة (البررة)
(2) :
الاعياد هي ذلك الوطن
الملقى في المصح النفسي
لعقوق ابناءه البررة
وهو تضاد جميل وموح ِ عبرت من خلاله الشاعرة عن عجز وتخاذل ابناء الوطن وبالاخص الوطنيين (البررة) عن الدفاع عنه وحمايته وكذلك تركه. ويستمر التضاد عند الشاعرة يرفد افكارها ويعبر عن مشاعرها و اصبحت تدور به دفة المعنى الى جهة المقابلة. كما في قصيدة (الشاعر االشهيد) حيث طالبت هذا الشاعر الذي لا يستطيع الصراخ لطلب النجدة و الخلاص من عذابه بالابتسام ، وكما هو معروف فأن (الصراخ) ضد (الابتسام) ونقيضه . ولعل الشاعرة ارادت بهذا النقيض ان تحول فكرة النص من معنى الخضوع والسكوت حيث انها لم تقل (ان كنت لا تستطيع الصراخ) (اسكت) لأن هذه اللفظة المتضادة للصراخ تدل على الخضوع بينما لفظة (الابتسام) تدل على الاباء والشموخ والصبر، وهي التفاتة جميلة من الشاعرة لاضهار معنى مغاير من خلال التضاد فقد حولت معنى الخضوع الى معنى مضاد وغاير له وهو الاباء فتغيرت فكرة النص تماما ً.


ثانيا ً. الموسيقى الشعرية
تعد الموسيقى الشعرية من عناصر الشعر المهمة اذ انها بتألفها من العناصر الاخرى تزيد الفن الشعري الفا ً وجمالا ً وعذوبة وترتقي به الى مراتب عالية. والموسيقى الشعرية (الايقاع) نوعان خارجي وداخلي فالخارجي يعنى بشكل القصيدة يوصفها كيانا ً واحدا مستقلا ً، والايقاع الداخلي يعنى بالالفاظ والتراكيب والحروف التي تشكل جوهر النص الشعري.

أ‌. الايقاع الخارجي
يعد الايقاع الخارجي من السمات الرئيسة للشعر فهو جزء من عملية الخلق التي تنهض بها العناصر الشعرية لبناء القصيدة وتحقيق جماليات الفن الشعري وبلوغ الكلمات المنظومة حدا ً يتجاوز عنده المبدع حدود الوعي ويتوقف انجذاب المتلقي للنص الشعري او نفوره منه على جودة بنيته الايقاعية. ويتضمن الايقاع الخارجي للقصيدة الشعرية الوزن، القافية.
1. الوزن :- يمثل الوزن عنصرا ً اساسيا ً من عناصر الموسيقى الشعرية فهو الوسيلة التي تمكن الكلمات من ان يؤثر بعضها في بعضها الاخر على اكبر نطاق ممكن، وحين نتحدث عن الوزن في شعر أمنة محمود وقد كتبت اغلب قصائدها على طريقة (قصيدة النثر) وكذلك على اوزان شعر التفعيلة (الشعر الحر) والى جانب ذلك نرى بأن الشاعرة لم تكتب شعرا ً عموديا ً وكذلك سيادة الومضة الشعري وقبل الولوج الى شعرها احببت ان اعرج على (قصيدة النثر) وهي شكل شعري جديد يختلف عن القصيدة المحررة من الوزن والقافية سواءا ً كان ذلك من حيث تصورها الشعري او من حيث بنيتها اللغوية والصوتية. وكتابتها وهي قصيدة تعوض عن الايقاع الخارجي بموسيقاها الداخلية بل بأنعدام الموسيقى الى حد الصمت بل بالغوص حتى النواة الموسيقي حيث براءة اللحن ممكنة وحركته عفوية وغير ملوتة وشعر امنة تدور فيه الموسيقى الايقاعية الخارجية ضمن الفاظ او متصلة بالفاظ القصيدة بوصفها كلا ً. فمثلا ً نجد في قصيدة (اديت كل فروضي) أن موسيقاها تكمن في العبارتين الاخيرتين من القصيدة مشكلتين بذلك ايقاعا ً منسجما
(1)ً:

هو اجمل مشهد في المسرحية
طبل صفيح يحمله طفل لااعرج
ينادي من اخر الطريق
للبيع بلا ثمن
للبيع وطن
فنجد عبارتي (للبيع بلا ثمن) و (للبيع وطن) قد شكلتا ايقاع القصيدة.
2. القافية :- هي ما لزم الشاعر تكراره في اخر كل بيت وتطلق على اخر لفظة في البيت الشعري
(1).
وقصائد امنة محمود متنوعة القوافي وهذا طبيعي لأن الشاعرة تكتب قصيدة النثر وبتالي تكون قوافيها متنوعة ومتناغمة مع موضوع النص الشعري ، وكما هو معروف في الادب فأن القافية تكون منسجمة مع الموضوع فعندما يكون الموضوع خطابيا ً او احتجاجيا ً تكون القافية قوية ذات وقع موسيقي صاخب، وبعكسه عندما يكون الموضوع عاطفيا ً شعبيا ً تكون القافية هادئة. وقد وجدت لدى الشاعرة قوافي موحدة في النص الواحد ، وكذلك قوافي متعددة. فمثال القوافي الموحدة قصــــيدة (يا ضوء قلبي) حيث القافية هي حرف الياء الذي تكرر في اغلب مقاطع القصيدة عدا المقطع الاول
(2) :
يا ضوء قلبي لا تكترث
ضيائات صغيرة لا تقتلني
وأن كانت تؤذني
فسلَ حبيبي كأنك لم ترني

ب.الايقاع الداخلي:-
هو طريقة الشاعر في اختيار الالفاظ وترتيبها بما يحقق التوافق الصوتي بينهما وتوفير هذا الالعنصر أشق بكثير من توفير الوزن لأن الايقاع يختلف بأختلاف الالفاظ المستعملة ذاتها. وهنا تكمن قدرة الشاعر وبراعته في اختيار الالفاظ وحسن توزيعها ولحل ذلك مايميز شاعرا ً من غيره. وقد لاحظت عند دراستي شعر أمنة محمود انها اكتفت بالموسيقى الداخلية (كتابة فائقة). وذلك لتزيد في ابداعها المعنوي واللفظي ابداعا ً موسيقيا ً, قد وجدت لديها انواعا ً مختلفة من الايقاعات وقد اخترت نوعين احدهما معروف ومتداول كثيرا ً في الشعر وهو التكرار ولايقاع الاخر جديد ومبتكر وهو التشظي
(3).
1. التكرار :- وهو تناوب الالفاظ واعادتها في سياق التعبير بحيث تشكل نغما ً موسيقيا ً يتقصده الناظم في شعره او نظمه
(4). ويمكن ملاحظة التكرار كثيرا ً عند امنة وقد جاء ضمن لفظة واحدة ، اي بتكرار لفظة واحدة او بتكرار عبارة في القصيدة الواحدة وهذا التكرار جاءت به الشاعرة لتأكيد المعنى ، وفي بعض الاحيان يكون التكرار منسجما ً مع اهميه الفكرة بالنسبة للشاعرة.
وكذلك للشاعرة نصوص فيها تكرار معنوي (تكرار الفكرة) ولكن ضمن سياق والفاظ مختلفة، وقد يعده بعض الادباء عيبا ً. و لا اجد فيه عيبا ً اذا كان المغزى منه تدعيم جراء تجربه معينه يحاول اظهارها بصورة وصياغات مختلفة ونعود للتكرار الفظي عند الشاعرة. في قولها
(1):
انا بنت حطامي
ولي وطن من عطر الورد
من ماء الورد . . . من دمع الورد
دم الورد

فنجد ان الشاعرة في هذا النص قد كررت لفظة (الورد) وللورد دلالات كثيرة فهو تعبير عن الجمال والرقة والعطاء والعذوبة وحتى المرأة، ولكن الشاعرة في كل مرة تكرر فيها هذه الفظة تعطينا معنى جديدا ً.
فالعبارة الاولى (عطر الورد) تدل على عذوبة الوطن وجماله، والعبارة الثانية(ماء الورد) ايضا ً مشابهة للاولى من حيث المعنى حيث تدل على النقاء والرقة وجاء هذا المعنى دعما ً للمعنى الاول اما العبارتات الاخريتان من تكرار اللفظة فنجد تحولاً جذريا ً فعبارة (دمع الورد) تدل على الحزن والمأساة وهو جناس لطيف، كذلك العبارة الثالثة (دم الورد) ايضا ً تدل على المأساة والالم وجاء هذا المعنى دعما ً للمعنى المؤلم لعبارة (دمع الورد) ولكنه اشد قسوة وتأثير من المعنى الاول. وهو تكرار رائع جاءت به لتقوية المعنى وتأثير على المتلقي وجذبه لاحتواء الفكرة وفهم المعنى المراد.

2. التشطير :- يؤمن مبدأ الجشتالت النقدي بأن خصاص الكل تتشكل من مجموعة الجزء لكن هذا الجزء بخصوصيته المجردة لايشكل وحدة قيمة جمالية الا اذا ارتبط بغيره من الاجزاء ، وما يهمنا من هذه النظرية هو اغناء الشاعر لها عن طريق استخدام الكلمة بمعناها الكلي وتشطيرها لتضم معنى اخر ومن ثم دمجها باللغة الاصطناعية للتعويض بطريقة ضغط العبارة او استخدام الكسور اللفظية المركبة التي تسبب تطاير شظايا المعاني الى اتجاهات مختلفة
(2).وهذا النوع من الايقاع ليس جديدا ً على الاديب العربي لا سيما من حيث تشطير عبارة او لفظة. وقد وجدت عند امنة نصوص كثيرة فيها تشطير جاءت بها الشاعرة لجعل العبارة تعطي معنيين ضمن الفكرة الواحدة في النص الشعري، واحيانا ً قد يأتي المعنى الثاني مشابها ً للمعنى الاول وذلك لدعم المعنى الاول وتأكيده.فمثلا ً وجدت تشطيرا ً في قصيدة (حالفني الحظ) بين لفظتي د (م) سيح اخر فحرف الميم والذي وضع داخل قوسين يقرأ بلفظتين، مرة يقرأ (دم) (مسيح) اخر(1) وهو معنى يشير الى مأساة المسيح (ع) حيث شبهت الشاعرة ماساة الوطن بمأساة المسيح (ع).
اما عندما تقرأ العبارة هكذا (دم)(سيح) فيعطي معنى اخر ولكنه يبقى ضمن دائرة الفكرة ذاتها. حيث ارادت (دم)(سيح) ان تقول ان هناك دما ً او ارواحا ً اخرى قد ازهقت في هذا الوطن. وكما رينا فأن كلا المعنيين يشيران الى الوطن بمأساة المسيح، والمعنى الثاني يؤكد بأن الوطن يسيح فيه دم كل يوم.
والتشطير ظاهرة شائعة تعتمد جماليتها على شاعره نجاحه وموهبته لأنها تضع المتلقي أمام معان ٍ غزيرة ينتقي منها ما يناسبه وهذا كله بالطبع ضمن فكرة النص الاصلية.

الخـــاتمة
من خلال مسيرتي في كتابة البحث واخراجه وجدت بعض النتائج التي تمخضت عنه وسوف اعرض اهمها :
فمن خلال التمهيد ثبت الي ان الشاعرة كان جل اهتمامها ينصب حول الشعر ولذلك كانت اهم انتاجاتها منطوية على الصور الشعرية المتناثرة بين القصائد لاسيما نتجاتها في ديوانها ، ومن خلال المبحث الاول وجدت ان صور الوطن تباينت في شعر الشاعرة بين صور الوطن اليوتيوبي والواقع المعادي والحقيقي المعاش ولكن الوطن الحقيقي المعاش كان حاضرا ً بنسبة اعلى نتاج شعر الشاعرة على الرغم من ان الدلالات الاخرى كانت تتوزع على شعر الشاعرة اما صورة الرجل فقد كانت صورته المثالية حائزة على النسبة الاكثر في شعرها كون تلك الصورة بقيت في مخيلة الشاعرة وغير موجودة على الواقع وعلى هذا الاساس كانت تلك الصورة واسعة في شعرها ولكن تلك الصورة خلاف الرجل السلبي الذي لم يستطع في رؤاها ان يغير من واقع الشاعرة على صعيد الاجتماعي والسياسي .
وفي المبحث الثالث الذي كان مختص للدراسة الفنية فقد تمخضت عنه ان اصداءها الشعرية كانت تعتمد على البناء السردي في اكثرها وكان التناص حاضرا ً في صورها الشعرية ونسيج شعرها اما العناصر البلاغية ومنها التضاد فقد اعتمدت بعض الصور الشعرية عليه اذ كان شعر الشاعرة في القصائد النثرية يعتمد الايقاع الداخلي الذي يعتمد التكرار والتشطير بوصفها العناصر التي توفر للقصيدة شعرية ما .

المصادر
1. القرأن الكريم
2. البناء الفني في الرواية العربية في العراق،د.شجاع مسلم العاني، اطروحة دكتوراه،1987
3. الاتجاه الوجداني في الشعر العربيالمعاصر ، د.عبد القادر القط
4. الادب الاسطوري نقلا ً عن مجلة الموقف الثقافي،1997
5. الادب العربي المعاصر في العراق ، د. داوود سلوم
6. استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، علي عشري زايد، منشورات طرابلس- ليبيا 1978اضاءة النص , اعتدال عثمان
7. التناص في شعر الرواد، احمد فاهم ، بغداد، 2004
8. تحليل الخطاب الشعري، ستراتيجية التناص،د. محمد فتاح ، دار التنوير للطباعة
9. جدلية الخفاء والتجلي، دراسة بنوية في الشعر، كمال ابو ديب، دارالعلم للملايين، بيروتت،1979.
10. جرس الالفاظ و دلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب ، د. ماهر مهدي ، دار العرب، بغداد، 1980
11. خصوصية الابداع النسوي، كورنيلا الخالد
12. ديوان فراشات أمنة محمود
13. الرجل في الرواية العراقية النسوية ، رسالة ماجستير ، خالدة حسن خضر، كلية التربية ابن رشد ،1999
14. الشعر والصوفية،كولن ولسن، ترجمة عمر الدين الراوي، دار الاداب،بيروت ،ط 1972
15. شعر السيد طالب الحيدري دراسة موضوعية فنية ، رسالة ماجستير عبد المنعم ناصر، كلية التربية ابن رشد /جامعة بغداد ،2010 .
16. الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي ، الولي محمد ، ط1 المركز الثقافي العربي، المغرب ، 1970 .
17. فنارات في القصة و الرواية،حسب الله يحيى ، دار الشؤون الثقافية
18. قصة الفلسفة، وول ديورانت

19. مستقبل الشعر و قضايا نقدية، د. عناد غزوان ، ط، دار الشؤون الثقافية، بغداد ، 1982
20. المكان ودلالاته في شعر السياب، محمود طالب غالب
21. ميثات عربية وشرقية في الشعر العربي الحديث ، د. رشيد مبارك ، ط1 ، 1995.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوطن في شعر السياب الدلالة والبناء / د.محمد مهدي المعودي / ص 15.
(2) المخصص/ابن السيدة/دار الفكر بيروت 1964
(3) معجم مختار الصحاح/ اب بكر الرازي/دار صادر بيروت/ص439
(4) سورة التوبة الاية 25
(1) الوطن في شعر السياب الدلالة والبناء.
(1) المكان ودلالاته في شعر السياب/محمد طالب غالب/ص19
(2) اضاءة النص، اعتدال عثمان/ص7
(3) اضاءة النص، اعتدال عثمان/ص7
(4) المكان ودلالاته في شعر السياب/محمد طالب غالب/ص17
(1) قصيدة وطن الموت والعذوبة
(2) قصيدة وطن الموت والعذوبة
(3) قصيدة فلاح الذاكرة / ص20
(1) قصيدة اذار/فراشات امنة / ص28
(2) قصيدة اديت كل فروضي/ فراشات امنة / ص36
(1) قصيدة زهرة المنافي/ فراشات امنة / ص55
(2) البناء الفني في الرواية العربية في العراق/ص343
(3) الشعر والصوفية/كولن ولسن/ترجمة عمر الديراوي/دار الادب بيروت/ط1/1972
(4) المكان ودلالاته في شعر السياب/محمد طالب غالب/ص46
(5) فراشات امنة / ص114
(1) استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر/علي عشيري زايد/ منشورات طرابلس/ص93/1987
(1)
الادب والاسطورة نقلا ً عن مجلة الموقف الثقافي /ع 29 -1997 –ص 125
(2) فراشات أمنة /ص 84-85


(1) قصة وطن الالعاب النارية
انظر/ استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر / ص25(1)
فراشات أمنة /ص 64-65(2)
(1) أدب الثورة , محمد الجزائري ، الادب ، 1969 ص 12 .
(2) منارات في القصة والرواية ، حسب الله يحيى , دار الشؤون الثقافية العامة , بغداد 1997 ، ص 45 .
(3) خصوصية الابداع النسوي ، كورنيلا الخالد ، ص 3 .
(1) ينظر : فراشات امنة , أمنة محمود ، ص39 .
(2) فراشات أمنة : ص 96 .
(1) فراشات امنة ، ص 27 .
(2) فراشات امنة, ص 93 .
(1) فراشات امنة. ص 93 .
(2) مجموعة قصائد منشوورة في موقع النور www.Alnoor
(1) فراشات امنة. , ص 7 .
(2) فراشات امنة. ، ص 9 .
(1) مجموعة قصائد منشورة على موقع النور .
(1) فراشات امنة , ص 11 .
(2) فراشات امنة ، ص 69 .
(1) موقع النور .
(1) فراشات امنة , ص 61 .
(2) فراشات امنة, ص 17 .
(1) فراشات امنة :86
(2) فراشات امنة : 54 .
(1) فراشات امنة 63 .
(2) فراشات امنة 70 .
(1) فراشات امنة. ص 71 .
(1) فراشات امنة, ص 56 .
(1) فراشات امنة, ص 13 .
(1) تحليل الخطاب الشعري، ستراتيجية التناص، د.محمد فتاح،دار التنوير للطباعة،الدار البضاء/ص58
(2) الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعصر،د.عبد القادر القط/ط2/ص58
(3) الادب العربي المعاصر في العراق/ص144
(4) شعر السيد طالب الحيدري /دراسة موضوعية فنية،رسالة ماجستير للطالب عبد المنعم ناصر/2010/ص56
(5) شعر السيد طالب الحيدري /دراسة موضوعية فنية،رسالة ماجستير للطالب عبد المنعم ناصر/2010/ ص58
(6) جدلية الخفاء والتجلي،دراسة بنيوية في الشعر،كمال ايوب،ط1،دار العلم للملايين/بيروت1979
(1) مستقبل الشعر وقضايا نقدية، د.عناد غزوان،ص23، 1982
(2) الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، الولي محمد، ط1،المغرب، 1970، ص7
(3) الشعر العربي الحديث، د.رشيد مبارك،ط1 ، 1995 ، ص25
(4) مجموعة قصائد منشورة للشاعرة على موقع النور
(5) فراشات امنة /ص27
(1) الرجل في الرواية العراقية النسوية، رسالة ماجستير/خالدة حسن خضر/جامعة بغداد1999 /
(2) فراشات امنة /ص68
(1) التناص في شعر الرواد، احمد فاهم، ط 1 ، بغداد ، 2004
(2) فراشات امنة /ص15
(1) شعر السيد طالب الحيدري /دراسة موضوعية فنية،رسالة ماجستير للطالب عبد المنعم ناصر/2010
(2) فراشات امنة /ص114
(1) فراشات امنة /ص56
(1) شعر السيد طالب الحيدري /دراسة موضوعية فنية،رسالة ماجستير للطالب عبد المنعم ناصر/2010
(2) فراشات امنة / ص 61
(3) شعر السيد طالب الحيدري /دراسة موضوعية فنية،رسالة ماجستير للطالب عبد المنعم ناصر/2010
(4) جرس الالفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب، د.ماهر مهدي، دار الحرية ، بغداد1980 ،ص239
(1) فراشات امنة/ص29
(2) قصة الفلسفة، ول ديورانت
(1) فراشات امنة/ص69