أطلقتُ فراشاتي لكل عاشق للحب والجمال والحرية
حاورتها ــ فاتن الجابري
الشاعرة آمنة محمود ابنة كركوك التي شهدت ولادة العديد من الشعراء والكتاب من رحم هذه المدينة الخصب ومنهم جماعة كركوك في الستينيات لازالت تفخر بمبدعيها ..
عاشت طفولتها وشبابها في ظل الحروب فكان الالم والحزن والجرح الذي انبت كلماتها وصقل موهبتها قراءة واطلاعا .
ترى أن المرأة تعاني منذ قرون والمؤلم في الأمر هو أن من يقف إزاء تفتّح المرأة فكريّاً يجد باستمرار الذرائع التي تدجنها وتجعل من خضوعها حالة مستمرة تحت ذرائع العرف والدين, بل والمرأة نفسها تشارك في صنع هذا الطوق الفكري بخضوعها واستسلامها .
حصدت المركز الثاني مناصفة عن نصها ــ ممتلكات لاتخصني ــ في جائزة نازك الملائكة للابداع الادبي النسوي التي تقدمها وزارة الثقافة العراقية بالتعاون مع منتدى نازك الملائكة في الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين .
الشعر هاجس يطاردني
* كيف نضجت تجربة آمنة محمود الشعرية ومتى كانت البدايات ؟
في البدء كان الألم .. في البدء كان الحزن كان الجرح .. أنا من مواليد 1974وحين بدأت الحرب العراقية الإيرانية كنتُ في السادسة وبعد عام توفي والدي وبدأت تتراكم صور مواكب الشهداء ومازال لصوت صافرات الإنذار دويٌّ في أُذنيّ .. وفي حرب ال91 كنتُ في السابعة عشرة لقد تشوّهت طفولتي ومثلها مراهقتي وكل الأيام التي كان من المفترض لأي طفلة أو شابة في عمري حينها أن تعيشها لقد مررتُ بها مثل جيلي الذي لم يعش حياةً طبيعية وهاهو الجحيم مازال مستمرا وإن تنوعت صوره وأشكاله .. صفي لي موهبةً من أي نوع تمرّ بكل هذا الصَهْر كيف سيكون شكلها النهائي .. أنا مليئة بالوجع وفي داخلي صراخ لا ينقطع .. إنها سلسلة من الفقدانات حاولت التعبير عنها مرّةً بالشعر ومرّة بالنقد والمقال . البدايات كانت في المدرسة على شكل خواطر تطورت حين درستُ اللغة العربية ثم توالت المطالعات كنت التهم الكتب التهاما واقرأ لأكثر من ست أو ثماني ساعات في اليوم الواحد حتى تحول الشعر شيئا فشيئا من هواية إلى هاجس يطاردني حتى في النوم .
* تكتبين العمود الصحفي والمقالة في عدة صحف، بظل التغيير والحرية الصحفية هل فعلا تجدين نفسك حرة في الكتابة وكيف تتحرر المرأة من سلطة التعسف على أفكارها ؟
أولا لستُ مستمرة في كتابة العمود الصحفي لقد كانت تجربة في عام 2003 حين كنت نائب رئيس تحرير إحدى الصحف .. أما المقالة فكانت تندرج معظمها تحت مسمّى النقد السردي والشِعري وكنتُ أكتب في هذا المجال من قبل 2003 ولا أجد نفسي مؤهلة للكتابة إلاّ حين أكون في متّسعٍ من الحرية الفكرية .. أما عن الشق الثاني من السؤال فهو الأزمة الحقيقية التي تعاني منها المرأة منذ قرون والمؤلم في الأمر هو أن من يقف إزاء تفتّح المرأة فكريّاً يجد باستمرار الذرائع التي تدجنها وتجعل من خضوعها حالة مستمرة تحت ذرائع العرف والدين, بل والمرأة نفسها تشارك في صنع هذا الطوق الفكري بخضوعها واستسلامها , لذلك أجد من الصعوبة إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة , مع الإشارة إلى وجود حالات فردية استطاعت أن تخترق هذا الطوق . الحرية يا صديقتي لا تُستجدى بل تُنتزعُ انتزاعاً وهذا ما أتمنى أن تجتهد من أجل تحقيقه المرأة.
* ينطبق هذا على القصيدة أيضا كيف تمارسين حريتك في كتابة الشعر وهل في عقلك لازال يسكن شرطي التابوهات المحظورة ؟
أولا الشاعر كائن ناقد بل ورافض في معظم الحالات والرفض هذا لا يعني العدوانية أو الاستعداء, بل هو رفض نابع من نقد للواقع, ولا يمكن لأي شاعر يريد أن ينقد الواقع ويعطي نظرته الخاصّة عن الحياة من دون أن يمتلك مساحة حرية فكرية يتحرّك ضمن نطاقها, أما التابوهات فنحن الذين نصنعها لذلك تجدينها مختلفة بالكم والنوع والكيف حسب كل مجتمع ودولة وبالنسبة لكل مبدعٍ عن سواه, لكن تبقى الاختلافات في المنظومة الفكرية الخاصة بكل مبدع والأفكار المسيطرة عليه هي التي تقوده بهذا الاتجاه أو تجعله يحيد عن سواه .أما إذا كانت هنالك عوائق تمنع التصريحات المباشرة بما يريد الشاعر قوله فأرى أن الشعراء المبدعين من الذكاء بحيث يستطيعون تمرير أفكارهم بشتى الوسائل التعبيرية خاصّة وأن أداتهم اللغة حصل تحريف لكلامي!
* قرأت مرة عن تصريح لك حول مكانة الشاعرة العراقية نازك الملائكة وقلت فيما يشير إلا أنها ليست أفضل شاعرات العراق من هن برأيك الأفضل اليوم وهل تعتقدين أن الظروف وزمن ظهور الملائكة كان سببا لان تعد أفضل شاعرة عراقية ورائدة أيضا للشعر الحر ؟؟
على الرغم من أني أوضحت هذا الأمر مسبقا لكني أجدها فرصة لتوضيح وجهة نظري التي استغلّها الكثيرون في الإساءة إليّ . أنا قلت في الحوار بأن نازك الملائكة شاعرة كبيرة ومجددة ومبدعة وفي السؤال اللاحق عن الفرق بينها وبين السياب أجبتُ بأنها ليست قامة شعرية كبيرة كالسياب وهذا ليس اجتهادا شخصّياً من قبلي, لكن ولسبب ما حصل مونتاج على كلامي فكان ما كان . أما عن الشاعرة الأفضل اليوم فهي الشاعرة التي تجتهد وتجدد وتبدع وتجبرنا على التصفيق لها جميعا والإقرار بأنها مبدعة حقيقية .
ورش عمل نقدية
* هل توجد قطيعة بين الشعر النقد لقلة عدد النقاد الذين يغورون في أعماق القصيدة المعاصرة أم لعدم وجود تجارب تحرضهم على كتابة النقد ؟
أولا نحن بحاجة إلى ورش عمل نقدية ودراسات أكثر تخصصا في هذا المجال مع عدم إغفال وجود نقّاد كبار ومبدعين لكن الشعر في سعة وتطور والنقد في انحسار, أما عن عدم وجود تجارب شعرية تحرضهم على الكتابة النقدية فهذه الفكرة غير صحيحة بدلالة وجود شعراء نستطيع القول عنهم بأنهم مدارس شعرية تستحق التناول. .
مازالت العلاقة بين أدباء الداخل والخارج لم تصل إلى حالة الاقتراب الفعلي والمعرفة والاطلاع، لمن تعود الأسباب هل تقصير أديب الخارج أم نفور وابتعاد أديب الداخل عنه ؟؟
على الصعيد الشخصي لا أعاني من هذه العقدة فعلاقتي لا بأس بها مع أدباء يسكنون خارج الوطن نحن نتواصل ونتبادل الأفكار والآراء .. كما أن تصنيف الأديب العراقي بهذه الطريقة لا أجده لائقا رغم شيوع هذه التسمية فالإبداع هو نفسه أيّاً كانت أرضه تماما مثل العراقي الذي سيبقى عراقيا في أي بقعة من العالم يعيش فيها مع عدم إغفال إن الذين رحلوا حصلوا على فرص الإطلاع على آداب الدول الأخرى فكان إبداعهم مختلفا عن اللذين لم يرحلوا أما درجة الإبداع فلا أعتقد بأن المهاجر أو المغترب سيكون أكثر إبداعا أو العكس .
فراشات آمنة!
* فراشات آمنة ، مجموعتك الشعرية الأولى لمن أطلقتي الفراشات ،ألا تخشين احتراقها في رحلتها للبحث عن الحب والحرية ؟؟
الفراشة هي كائن رقيق وجميل مكانها الخمائل وأصدقاؤها الزهور لكنها بالمقابل تنجذب إلى النار وتنتحر فيها من هذه المفارقة اخترت الفراشة. أطلقتُ فراشاتي لكل عاشق للحب والجمال والحرية وسأرضى لها ما أرضاه لنفسي ففي رحلة تحقيق الذات لابد من خسائر وأي خسارة من أجل الحرية هي نصر بطريقة ما وأن كانت النتيجة النهائية هي الموت فلا بأس..
* يقولون إن الرجل هو قارئ جيد لشعر المرأة ، هل ترين هذا من باب الفضول لمعرفة أسرار عوالم المرأة أم تشجيع لها ؟
الإنسان كائن شفاهي والمرأة كما هو معروف أكثر شفاهية من الرجل لذلك أجدها تتميز حين تكون ساردة أو راوية كما كانت شهرزاد, الشعر يليق أكثر بالرجل فهو قريب من تركيبته ولست أدعو بذلك إلى التخصص الإبداعي لكن القصد من هذه المقدمة إن الرجل يميل إلى الغموض بعكس المرأة التي تحب البوح والتصريح لذلك فالأجدى هو أن تتبع المرأة أفكار الرجل كي تفهم أسراره وليس العكس, ومع أن الطرفين يقرآن لبعض فوجود المرأة والرجل في العالم هو وجود تكاملي وليس تنافريا لذلك من البديهي أن يكون بينهما حوار فكري لأن المرأة ند والند بالتالي ليس بحاجة إلى تشجيع .
كركوك مدينة التنوع
* من المعروف إن مدينة كركوك ارض خصبة ومناخ ملائم لولادة العديد من الشعراء والكتاب من رحم هذه المدينة ومنهم جماعة كركوك ،كيف تقيمين حركة الشعر والأدب اليوم في مدينة التنوع والاختلاف الثقافي والعرقي ؟
العراق بكل مدنه وقراه بل وصحرائه هو أرض خصبة للشعر بل هو منبعه الأول, وولادة جماعة كركوك الستينيين تداخلت فيها العديد من العناصر الإبداعية وحتى القدرية فنشأت هذه الجماعة وليس من المستبعد أن تنشأ جماعات أخرى في كركوك أو غيرها مادام الإبداع موجودا كما المبدعين .أما عن حركة الشعر والأدب في المدينة فهنالك مبدعون رغم انحسار عددهم ورحيل البعض منهم إلى مدن أخرى تأثرا بالأوضاع السياسية والأمنية لذلك لن يكون التقييم منصفا ولا دقيقا في الوقت الحالي
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الجمعة، مارس 30
الشاعرة آمنة محمودالفائزة بالمركز الثاني بجائزة نازك الملائكة للابداع الادبي النسوي
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)