إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، يناير 10

الشاعــرة آمنــة محمــود: الأيديولوجيــة الذكوريــة مهيمنة على فكر المرأة العربية

بين الحكمة والبراءة أحاول الإمساك بجذوة الشعر

حاورها - صلاح حسن السيلاوي
 
بروح شفافة وعين شعرية بصيرة تقتحم أمواج الظلمات الكثيرة التي تحيط بواقعنا، تعطيك هذه الشاعرة القادمة من مدينة الذهب الأسود قصائد بيض، جملاً معنية بتأمل روح الشعر قبل جسده، وجوهر الحياة بعيدا عن قشورها، شاعرة لا تهتم بحضورها في كل محفل ولا بغيابها الاجتماعي عنه بقدر ما تفكر بحضور ذاتها الشعرية الطيبة، تعطي قارئها إحساسا بعدم ازدواجية الشاعر فهي تعيش نصها، لذلك تنساب ذاتها بين الجمل تارة، وتتلفت عند نوافد فوارزها تارة أخرى. إنها الشاعرة آمنة محمود التي فازت في مسابقة نازك الملائكة في دورتها الرابعة عن نص " ممتلكات لا تخصني " ولها مجموعتان شعريتان هما (فراشات آمنة) و) (كتاب الحب) ( بالاضافة إلى مخطوطة (الحمامة المتوحشة) التي تضم دراسات ومقالات نقدية، تعمل حاليا في مجال التربية والتعليم فضلا عن كونها نائبة لرئيس تحرير جريدة الفيصل، ومديرة مكتب (جريدة الأديب البغدادية) فرع كركوك.* (فراشات آمنة)  التي وضعتها عنوانا لإحدى مجاميعك، ألم تخفها نار العنف التي ملأت سماءنا وأرضنا، أم مازالت تحوم هناك حول قصائدك وأشياء روحك الغنية بالصمت ؟
-  أعوِّلُ دائما على الجمال بمواجهة القبح وعلى الرقة بمواجهة العنف ذلك هو رهاني الأوحد، الفراشة وعلى الرغم من كونها كائنا هشّاً لكنها تحمل إرادة مواجهة النار، بل والانطفاء فيها إن استوجب الأمر، لذلك كانت تتلبّس القصائدَ أرواحُ الفراشاتِ .. هي في جزئية الجرأة لا تخاف وفي جزئية التوحد والصمت تتشرنق حول نفسها منتجة علامات استفهام وتعجب لا معدودة.
*ماذا عن كتاب الحب ؟
 - تقصد مجموعتي الشعرية الثانية، هو دعوة للحب، هو أسئلتي الملحاحة بانتظار غودو الذي قد يصل معاقا في النهاية.. أو ربما هو منديل وداع له وبراءة من ذلك الحلم الذي تعفّن في غياهب الانتظار .
*أرى أن الشعر الذي تكتبه المرأة العربية في أجزاء كبيرة منه، بدأ يتحول من كتابة الحب والذات إلى كتابة الجسد بدعوى أن الجسد جزء من الذات والحب أو أنه كل ذلك، مارأيك ؟
- أولا أود الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن الايدلوجية الذكورية مازالت مهيمنة على فكر المرأة العربية، لذلك تكون محاولات خرق هذه الايدلوجية مرتدّة بصورة لا شعورية إلى نقطة الجدل الأصلية منتجة أدبا يغذي تلك الأفكار بطريقة غير مقصودة، وطبعا ليس من الدقة بمكان تعميم ذلك لأنني كما أشرت في إجابة سابقة أن للنسوية أشكالا متعددة عربيا، لكن ما يندرج تحت سؤالك هو النسوية الليبرالية، صحيح أن كتابة الجسد تعتمد الإيروتيك، لكن ذلك بالمحصلة يغذي المهيمنات الذكورية، لذلك أصبح هذا النوع من الأدب أوسع انتشارا وأكثر، وما يهمّنا في كل ذلك باعتبارنا منتجين ومتلقين في الوقت نفسه هو مستوى النص وفنيته ومهارته المنتجة في إخراج نص متكامل .. هنالك نصوص تكون لغتها إيروتيكية منسوجة بحرفية عالية وبلغة جمالية غير خادشة، كل شيء قابل للتغيير حتى نوع الكتابة بالتناغم مع إيقاع الحياة وأنغامها.
*تقولين في نص لكِ : " منْ منّا سيغلق باب الصمت أولاً" ما الذي لم تستطيعي قوله بعد، في أيّة قلعةٍ للصمت تسجن روحكِ، وأية متاهة من أبوابه المفتوحة دخلتِ؟
 - عالم الصمت أرحب وأوسع من عالم الكلام، هو الأرض الأخصب لإنتاج الأفكار التي تتوالد من الطاقة التأملية بتناظرها الطردي مع الصمت، بعد قطع هذه المرحلة سنكون بمواجهة الكلام، فالقول أو الكلام أو النص الذي ينتجه الصمت والتأمل لابد أن يكون مختلفا مهما كانت عيوبه أو مثالبه.. السؤال هو ما الذي لم تخرجيه من بوتقة الصمت والتأمل، قد تكتشف فجأة أنت تسرّعت هنا أو هناك .. وهذه النصوص التي ستنتجها الخبرة ربما ستُفقدها الخبرة في الوقت نفسه براءتها، وبين هذه الحكمة وتلك البراءة أَحاول الإمساك بجذوة الشِعر.
روحي كانت سجينة محبّاتٍ زائفة كان كلّ همها تكبيل فمي بسلاسل الخوف والقلق .. حين تحررت هذهِ الروح من محبّاتها الزائفة عاد لها الإبصار والبصيرة صار بإمكانها الآن التحليق في سمواتٍ من شعر وجمال .. لم تكن قلعة صمت بل كانت قلعة إسكات .. اليوم أستطيع القول بملء قلبي أنني حطمت أصنامي واستعدتُ بصري وصوتي .. لكن صمتي المقدس ذاك الذي له دور الكوابح سيبقى صديقي .
*يرى البعض أن الذات العربية وبسبب تراجعها عن دورها الريادي في الحياة انكسرت أمام مثيلاتها، هل تؤمنين بذلك ؟
-    الذات العربية فردية كانت أم جمعية قادرة على ترميم ذاتها والنهوض من جديد هذا هو فقط ما أؤمن به.
*في نص "قل هو العراق" تقولين: لا نرجساتٍ يترجلن عن صهوة الوهم / لا أمـهات على قارعة القلب)، هل شوّهت أمواج العنف مضمون الأم في جسد المجتمع العراقي، هل حقّا خرّبت الحروب كل الجنّات تحت قدميها ؟ وإلى أي مدى أنتِ مقتنعة بتلميحكِ إلى ضياع الأمة بسبب ضياع الأم؟
- مشاهدُ النص مفتوحة على آفاق تأويلات عديدة ، هنالك خلط بين الفضاء الشخصي والعام ولستُ في صدد شرح النص، كل ما يمكنني قوله أن جلسة واحدة تمتد لساعة أمام نشرات الأخبار يوميا قد تمدني بشحنات عالية من الألم الذي ينتج بدوره نصّا يبدأ بعبارة" لاجنة تحت أقدامهن " وينتهي بــ " نحن تجاعيدك يا عراق .... "
*ثمة صوفية متمردة تتخلل نصك، أشعر أحيانا أن الحرف أحد وسائل التعبد والتحرر والإيغال بدق طبول الأسى كالذاهب إلى حرب الذات للانتصار أو الهزيمة، إلى أي مدى تتفقين معي ؟
- الشاعر كائن معنيٌّ بالتمرد بقدر ارتباطه بالصوفية لكنه وبحسب تركيبته الخاصة يتحكم بنسبة هذه وتلك في سلوكه الشخصي وفي نصه على حد سواء ، التمرد أيضا له أبوابه وأنواعه فقد يتجسّد أحيانا على شكل ثورة لها وجه مختلف لدى كل شاعر، وأحيانا مغايرة تكون على شكل صعلكة وفصام عن العالم ، وما يميز أي شاعر عن غيره هو إمكانية إيجاد موازنة بين الصراع الداخلي والصراع الكوني . تبقى مسألة الهزيمة أو النصر أشياء ثانوية جدا ، مقارنة بهذه الحرب الدائرة في دواخلنا على مدى العمر بأيامه وساعاته وثوانيه .
*ما رأيك بالمشهد الشعري النسوي في العراق ؟
- ينتمي المشهد الشعري النسوي في العراق إلى التيارات النسوية العالمية مع ضبابية في المشهد لكل تيار منها ، فنجد النسوية الليبرالية التي تدعو لحرية المرأة ومساواتها مع الرجل فانعكست آراؤها وأفكارها على نوع النتاج الشِعري الذي تكتبه، فتظهر القصيدة مغرقة بالإيروتيك ولغة الجسد كردِّ فعل على قمع المجتمع للمرأة، كما نجد أيضا النسوية الراديكالية التي تدعو إلى الانفصال عن الذكور وبناء مجتمع نسوي، لكن هذا التيار غير واضح تماماً أو مُصرّح به . أما النسوية الماركسية فلا تظهر بالمعنى الدقيق للمصطلح بل تتجاوز ذلك إلى حالة عالية من الإيثار تقدمها المرأة على الصعيد الاجتماعي تحديداً ، أما التيار الأكثر عقلانية ومنطقية فهو الذي ينتمي لتيار ما بعد البنيوية ومعظم المنتميات له الشاعرات الأكاديميات يسيرُ هذا التيار بالمسار العكسي لتيار النسوية السوداء التي تظهر ملامحها بطريقة مختلفة قليلا عن تفصيل المصطلح بالمنظور الغربي وتتمثل في الأنثى الشاعرة المقموعة من العائلة أو العشيرة مما يدفعهن للركون أو الكتابة بأسماء مستعارة .
* كيف تقيمين نظرة من يعتقد أن المشهد الشعري النسوي أقل مستوى من المشهد الشعري الذي يخلقه الرجل ؟
 - ينبغي توضيح نقطة مهمة هي أنه ليس كل من يظهرن على سطح المشهد هن الممثلات الحقيقيات له . هنالك شاعرات جيدات تقمعهنّ الأعراف الاجتماعية وغيرها، لكن بالمقابل فإن ذلك لا يعني بأن الشعر النسوي يستطيع الوقوف إلى جانب الشعر الذكوري بقاماته وأمجاده وإرثه الطويل. من بين العديد من نقاط الضعف التي تصنعها المرأة لنفسها ابتعادها عن الجدية "ولا أقصد التعميم " فالبعض من الشاعرات تشاكس زميلاتها وتسيء إليهن بكلام يبتعد عن الشعر والشاعرية والشعرية، فكيف تصنع هذه ومثيلاتها مشهدا شعريا يرقى إلى منافسة الشعر الذي يكتبه الرجال في حين أصبحت الملتقيات الأدبية عبارة عن نزهات ترفيهية ولقاءات اجتماعية فضلا عن ضعف المستوى الأدائي في اللغة لبعض المشتركات في المهرجانات الشعرية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الملحق الثقافي لجريدة الصباح العراقية