إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، ديسمبر 27

السبت، ديسمبر 18

فراشات آمنة : قصائد تحلـّق بأسس رياضية ..... عدنان أبو أندلس

عدنان أبو أندلس

دأب أكثر الشعراء ومنذ أقدم الأزمنة في كتابة نصوص تميز بعضهم البعض/ وما زال مستمراً/ في خاصية ما، ربما يود مؤلفها التفرّد بذات الشئ ويكسب منه السبق। ولو نتأمل في مختلف التجارب الشعرية نجدها/ أي القصائد/ تختلف من شاعر لآخر، ومن حقبة لآخرى। هناك من يطوّرها حتى يغدو محدثاً مما كان شكل النص أو لونه أو مذهبه، بالمقابل نجد ما يكرر شاعرٌ ما نفس أدواته في أية قصيدة ينجزها حتى يبدو عليها التآكل والصدأ। إن جوهر القضية يكمن في ملكة الشاعر نفسه، وقدرته على إستيعاب الحياة في حركة إبداعية دائمة التجدد، تتجلى في بحثه المتواصل نحو التطور والإبتكار، وهذه سجيّته।
إن البحث والتقصي عن القصيدة الحديثة يبدأ من ذات الشاعر، يحاول أن يخترع لغة جديدة تليق بمتطلبات العصر والمرحلة وذائقة الجمهور، وهذا ما يتجلى صراحة في مجموعة "فراشات آمنة" للشاعرة آمنة محمود، الصادرة عن دار الينابيع- دمشق- الطبعة الأولى 2010، والتي تتضمن خمسة قصائد بإسم الفراشات وهي: فراشات الشبكة، فراشات النار، فراشات أنانا، فراشات أنا- نا، فراشات الأعياد.
إن عنوان المجموعة يؤخذ على إحتمالين وكما في الخيارات الجبرية: إمّا- أو...
إمّا: فراشات مطمئنة (آمنة)، أو: فراشات الشاعرة (آمنة) // فراشات آمنة (الشاعرة). لأن عوالمها مسالمة وتختزن من الفرح ما يكفيها للتحليق. أي كليهما يتقبّل إحتمال الآخر، وهذه المناورة هي غاية مبتكرة ربما (قصدية) من مهارة الشاعرة، وكما أسلفنا أن الكثير من الإحتمالات الواضحة في قصائدها الموظفة بخبرة مهنية تدل على مرجعية الشاعرة سواءً في ذخيرتها الثقافية أو وظيفتها المهنية...
يُذكر أن مجال الشعر إستوعب العلوم الإنسانية وتخطى الى العلوم الطبيعية، منها الكيمياء والفيزياء وصولاً الى الرياضيات، وتناوله النقاد بالتحليل الفني. وهذا الذي نعنيه، رصدناه في قصائد الشاعرة آمنة، والتي بَنت بعض نصوصها وفق صيغ رياضية تحتمل متواليات وفرضيات ومعادلات جبرية وخيارات، والتعويض والبسط والمقام، وكما في قصيدة فراشات النار- مقطع من المزمور الأول ص 28 تقول: وهي تبحث عن عد (ن، م)، هذا يعطي للمتلقي إحتمالين بتخيير رياضي جبري وكالأتي: إمّا: وهي تبحث عن عدن، أو: وهي تبحث عن عدم.
إنها إعادة ترتيب الحروف وإبتداع عوالم الألفاظ في المفردة ذاتها، فجاءت وفق الصيغة المقبولة، حيث لا يؤثر على معنى البيت أو المقطع.
ولها في مقطع ص 29/ قصيدة نيسان:
طا (ل/ ب) غيابك المهدي. إمّا: طال غيابك المهدي، أو طاب غيابك المهدي.
وأيضاً: وأغلقت علينا القبـ (و/ ر)، إمّا: وأغلقت علينا القبو، أو: وأغلقت علينا القبر.
و: لغة تومئ لي (أنا/ هي)، إمّا: لغة تومئ لي أنا، أو: لغة تومئ لي هي).
وفي ص 44 قصيدة: دموع جوفية:
عمراً مديداً للنهـ (. / ا) ر الذي منحتيه أبهر. إمّا: عمراً مديداً للنهر، أو: عمراً مديداً للنهار.
إذاً هذا الإبتكار يخرج من نسق التعويض، لأن الصفر مهملٌ في الحالة الأولى، لا يعوض ولا يزيد من ترتيب المفردة شيئاً، فيبقى على حالته = . ولا يؤثر في الناتج، لأن الكلمة بقيت على حالها، أمّا الرقم (ا) فيزيد الناتج.
وفي ص 48 تقول: حـ (ب/ مل) كاذب. تصبح = حبٌّ كاذب، حملٌ كاذب. يحتمل هذا التخيير: إمّا إهمال حرف (ب) مرة، أو حذف حرف ميم مرة، ويمكن من خلال الترتيب، ربما الإختصار، يكون أيضاً: حبلٌ كاذب = حملٌ كاذب = صفر = لا شئ.
كذلك في ص 49 مقطع من القصيدة:
بإرتقائك جلجلة (أنت... حِرُ)، تكون ربما إمّا: بإرتقائك جلجلة أنت حرٌ، أو: بإرتقائك جلجلة أنتحِرُ.
ولها في: مسلة حب ص 68:
(قـ/ هـ) ـابيل... آمين، قابيل... آمين، و هابيل... آمين.
وفي ص 65 لها:
رُبَّ (ما)2 تَ الشهيد. تكون إمّا: رُبّ مات الشهيد = ربما الشهيد. أو: ربما مات الشهيد = ربما ما مات الشهيد. جاءت بهذه الصيغة لأن حرفي (م، أ)2 مضاعفة التعويض لوجود أس (2). وأيضاً تكون كالأتي لمقطع آخر:
د (م)2 سيح آخر، دمٌ سيح آخر، دم مسيح آخر.
وفي ص 113 وفي قصيدة فراشات الأعياد/ تهنئة، تقول:
كل عيد وأنت أنا
كل أنت
وأنت عيدي.
أي بدلالاة التعويض تصبح القصيدة متوالية:
أنا = أنت
أنت = أنا
كل = أنت
أنت = عيدي
عيدك = عيدي.
يتضح من كل هذا، أن المعادلات متساوية من خلال التحليلات والتعويضات والنسب المتساوية بالتخيير وكأنها مطابقة 100% (و. هـ. م).
وللشاعرة أيضاً تلاعبٌ في مخلوقات لغوية حسابية خارج حدود هذه المجموعة وفق الصيغة التالية:
غلطة\ جلطة.. قلبية، أي بسط\ مقام، غلطة\ جلطة= قلبية\ قلبية= قلبية.
ويمكن أنها تصبح نسب متساوية بعد الإختصار أو التناوب على التعويض وكالأتي: جلطة+ غلطة= صفر، النهاية الحتمية= الموت.
بهذه البنيوية الحديثة قد دخل علم الرياضيات في الشعر الحديث وخاصة قصيدة النثر لِما لها من إستيعاب أفكار ورؤى تلائم منهجها وأصولها وحتمية بقائها، أي تنطوي على جانب من المطالبة الخفية، وعلى الرغبة في إيجاد لغة مستحدثة وغير مطروقة، تجدد إمكانات اللغة، وهذه المطاليب العميقة هي سمة مشتركة لا يمكن إهمالها مهما إستمرت الحياة.

حفل تكريم وزارة الثقافة

منوّر ملا حسون وسمرقند الجابري وأنا



وفد أدباء كركوك



الجمعة، ديسمبر 10

التحول ... إختراق لغير المألوف ....... محمد حسين الداغستاني

" الشاعر .. إنه يصور الأشــياء كما يراها ، يلتقط ظلالها الهـاربة وأشـــــكالهـا المتغيرة لكي يجعلنا نحس بها كما يحس بها هو ، حتى لو أدى ذلك إلى عدم استيعابه هو نفسه لها ، ناهيك عن عدم استيعابنا نحن له ! ( البروفسور س . م بورا / التجربة الخلاقة )

كلما طالعني جديد للشاعرة المجتهدة آمنة محمود نفرت بي الذاكرة الى نصها الموسوم (دموع جوفية) التي إكتظت ً بالدفق الشعرى ، والهدنة المتاحة مع الممكنات المستحيلة ، فمن منظور جمالي وسايكولوجي فإن نصها هذا وهي المرأة المكبلة بمحددات المجتمع الذكوري الصادة ، يشكل نضحـا ًحقيقيـا ً لطقسٍ نفسي مشـحون بكم ٍ عالي مـن الشعور بالرفض والضيق والألـم المعصور، تتحدى القوالب المسبقة الصب ، وتلج عالم الرجال المدجج بالصخب ، وكانت لو منحته المزيد مـن التركيز، ووظفـت الأداة اللغـوية بصورة أفضـل لكانت صرخة ً أكيدة وعميقة على مظاهر الواقع السلبي المعتمل بكل القسوة والخيبة الروحية ونزعة الإرتياب ، لذا فإن التسرع الذي وائم إنثيالات الأفكار واللقطات المتلاحقة لـم يتـح أمامها الوقـت الضرورى والتروى لإنتقاء المفـردة الأدق ، ودعـم الفكرة وهي التي ســخرت لهـا مجهـوداً متنامياً ً مـن التـوتر النفسي والشـد الوجداني ، إلاّ أن ذلـك لـم يمنعها مـن إنجـاز عمـل ٍ متميز ٍ مغايـر ٍلأدائها فـي المضمون والتكنيك ، ففرضت من خلالهما على المتلقي التوقف عنده ومعاينة ظروف المخاض والولادة المدهشة ، بحيث أرخّّت لنفسها ما يمكننا وصفه بخطوة مديدة ومتقدمة في تجربتها الإبداعية ।! ولاريب في أن آمنة وهي تنكب على لملمة هواجسها المتشظية تدرك تماماً بأن الفترات العصيبة في حياة المبدع والناس عموما ً تفجر صيغا ً متنوعة للتعبير عن الأماني والأوجاع ، تمتزج في النهاية مع تداعيات تجارب تؤكـد الإتصـاق بهمـوم وتطلعات الآخرين مـن حوله । وتأسيساً على ما سبق فإن النص ( وهو إعلان رفض بصـوت عـال ٍ جـدا ً ) إنمـا هـو رد فعـلٍ حتمي لمنـاخ ٍ متوتـرعاشته آمنة وتجرعت آلامه ، فهيأ لها ذلك المناخ ، التحولَ من أسلوبها المألوف المغرق في ( الأنا ) والحزن والتكهنات واللغة الرمزية ، إلــى اسلوب ٍ مركز ٍ مجرد ٍ من كل زخرفة أو بلاغة لفظية تذوب ( الأنا ) في ( الآخر ) وتبحث بجدية المشكلة / الأزمة ، وتعرضها على طاولة التشريح دون تزويق أو تورية : ( قطعت المسافة بـيني وبـينيفإختلط الأمر عليّ أنا كنتُ منذ لفظةما كان حباً يحمل معولاًما كانت كلمات تتعاطى الحرب ) ।و(قالت صحوة (1) : لا شئ يكف الألوان عن إرتداء الحدادالقنابل عن عشـقها لأرض السواد الطنين في رؤوس المجانيـنالسكون الذي يلّف دون ذلككلنا دون الجنون ... لا نكـفّأن نكون نسخا ً عن بعض !! ) ।هكذا أقحمتنا آمنة في الموضوعة السياسية الشائكة في زمن المحرمات ، إمتطت صهوة الرمز والإيماء المقصود لتشير الى الجنون الذي يستنسخ ذاته في جدلية بنائية متتالية ، فتحول الآخرين الى مجرد وسط ناقل لهذا العصاب الخطير ، تضيع فيه الكوابح ، وتمتد في الوقت نفسه الى مجاهل الطنين والضوضاء ، ليتوهج في توأمة فريدة مع الأسطر التالية ، حيث يستحضر القارئ منظر أرتال الآليات الماحقة الحاملة للموت والفناء وهي تستعرض أمام الوثن المزمن الذي لا يرد أحد من المستعرضين على تحيته ! بل والتنبؤ المبكر بأن لا أحد يؤويه !!( الرجل الـذي تثـاءب ومـات لـم يكن يستطيع أن ينام ) و ( لا أحد يرّد التحية للوثن المزمنلا أحد يؤويه ) إن هذا التحول إذن إختراق غير مألوف لسيـاق عاطفي معهود في التجربة الأبداعية لآمنة بإستثناء مقاطع تضمنها النص والتي هي إمتداد لأسلوب كتاباتها السابقة ، لكنها لم تؤثر سلباً على الهيكلية العامة لتجربتها الوليدة القصيرة الأمد ، رغم أنها أوحت بولادة برعم (آمنوي) جديـــد ـ إن صح التعبير ـ لو تواصلت مع السياق المبتدع ، إلاّ أن النص في مجمله إنعطافة مهمة في مسيرتها التي كانت قد أصبحت رتيبة بفعل التكرار ، نصٌ وضع المتلقي مشدوهاً أمام إصرارها على خلق تزاوج مريب ومفزع في الوقت ذاته ما بين ما يمكن أن تجسده مفردات مثل السنبلة و المطر والقلب من معانٍ مترعة بالحميمية والوجد الآسر وبين ما تفرزه القنبلة والمقصلة وماسحة المطر من تداعيات تؤرق الإنسان المعاصر وتزجه في قيظ المأساة التي لا تقف سوى عند خط إلغاء العاطفة كحاجة إنسانية سايكولوجية مشروعة معجونة برائحة النجيع النازف :( قال أبهر : ستنبت السنبلة لا تمسكي قلبك بعد اللحظة أودعوا فيه القنبلة ) و( قالت مزنة بنت برق : الكلمة التي كتبتها على الزجاجة قبل أن تشغّـل ماسحات المطرلم يعد يمسحها المطـر)و ( قال أبهر : السنة القلبيــــة الكبيسة أنجبت مقصلة للورد ! ) (2)।النص ... ولادة الـذ روةو لسببٍ مـا ربما لدواعي الحداثة ، إتجهت آمنة نحو توظيف الرموز الرياضية أو الجبرية في هذا النص بهدف توتير الحدث وتصعيده ، وقد شكّل المنحى عائقا ً محسوساً أمام إنتظام وإنسيابية التلقي ، لكن إختيـار هـذه الرموز بإعتقاد توليف اللمسة السلسة ، وتحقيق التوافق بين الشكل والموضوع للوصول بهما الى الذروة ، قدمت خـدمة لا يستهان بها لتوضيح أبعاد الفكرة التي لاحقـتـها بدأب ٍ مشحون بالدلالة :( قالت صحوة : شكرا ً عديما الحياة 1عمرا ًمديدا ً للنهــ ــــ ــر الذي منحتنيه أبهر ... )4 و ( تقول صفوة بنت حبيب : هنالك حبل ٌ سري وحبيب ٌ ينبض فيّ بقطـع الطبيب إبتسامتها بالقول : حـ (ــــــــــ ) كاذب !! ) مل و ( قالت صحوة المدينة التي عشتها تراني مُحتلة وأشباهي المرصوفون معي يوصموني " فائضة " ॥) واضح تماما ً إن المعادلات الرياضية أضفت على بيئة النص الكثير من المباشرة ، أي أسهمت في تركين الحدس جانبا ً دون حساب المخاطر الناجمة عن تحويل النص الإبداعي الى شئ أشبة بلغة الحديث اليومي ، لكن هي أيضاً علّة الشعر الحديث رغم أن الشاعر ولت ويتمان يفسر الشعر الحر بأنه (ينبغي أن يكون الكلام المباشر من الإنسان الحالي كله) لإنه كما يقول (هو الروح والعقل والجسد ، يتدفق على الفور فلا يبقى منه شيئا ، إنهم يتحدثون معاً ، ثمة قدر من الضوضاء ، قدرٌ من النشاز بيد أن الضوضاء والنشاز ينتميان الى الواقع ، مثلما ينتمي صوت ما الى حركة الماء الفجائية ) (3) ।ولدواعي التوازن ، فإن النص عمد إلى توظيف الرمـز والأسطورة والمأ ثورات الشعبية بصورة متقاربة أو متفرقة لأنجاز عملية الصهر النهائية للوصول إلـى عـرض ٍ يتسم بزلـزلة الطاقـة التعبيرية للكلمـة وإيصالها الـى نهايتها دون كلل ، وفيه أيضاً قرار قد يفتقر الى الحصافة في زمن يحتاج فيه المعصور الى رأس يفكر به ، ويتناغم مع وسطه المشحون بالتناقضات ويستريح ولو برهة على ضفاف لحن مجروح في بادية الواقع الخاوية ، وهو فعلُ للتصدي ، وإهتزاز معرفي بما يمكن أن تجسده علاقة آلة (الناي) الرغيدة بالإستفاقة اللامجدية مع رأس متعب يحتشد بالسؤال :(قال أبهر : العامرية من أمامكموالطف من ورائكمفطيروا بلا أجنحة يصف لكم وجه ثبر )و( إستفقتَ في ليل الصواب ما جدواك ؟ إحتجبت وما نبتت جناحاك ॥بل أهداك الأحدب (4) أغلى ما فيه ضع ناياتك بعيدةً عن مسمعي ، قررت ُ أن أحيا برأس ٍ معطوب !) و(هـا أنتـذا بطـل (خـردة )(5)تشاكس الحياة بجثث ٍمنصوبة على عمـدان (6)بصكوك ( مضروبة ) (7) للغفران) و ( لو أكـل كلكامش تلك الأفعىأما بقي ََ حيا ً ؟ ) ।وللإجابة على هذا التساؤل البرئ في مظهره والمشحون بالإحتمالات العديدة ، تنحو آمنة الى الرمز متفقة مع الناقد القدير برنيس سلوت (8) في كونه يحوي مدى أعظم من المعنى والتضمين والعاطفة ، مثلما الأسطورة في كلكامش الملحمة التي هي كمثيلاتها من الأساطير ذات الشكل القصصي للرموز النمطية العليا ، تؤدي دون أدنى شك الى كشف تماسك المعنى عما يعرفه الإنسان ويؤمن به لهذا كان السؤال ॥ إنه أضحى فعلاً أداة للبحث في المستور المتجانس مع المعاناة الدفينة ।وبهدف تكريس وظيفة المفردة في تعميق الشعور بالمرارة نتيجة الوقوع ضحية الكذب ثم الخيانة ، إختارت آمنة ( أكذَبْ )كشخصية محورية وأساسية في بناء النص الذي حفل بمقاصد ٍغير معلنة ، وواضح تماما ً أن الحياة قاسية والتعامل مع حلقاتها بحسن النية لا يجلب في اكثر الأحيان سوى الألم ، خاصة ًعندما يغدو الكذب وسيلة طبيعية للتعامل اليومي ، فأية مأساة جسيمة هذه ؟ !( قطع دا سم (9) لسان أكـذ َبْ حتى إمتهن الخيانة دون علم مسوط ) (10) و ( زرعتني بلاهة الحياد نخلة عقيمة أفرطت ُ في إحتساء الأكاذيب المالحة فشّـل صدقي خانني أكذب ॥ ولغتي إن بقيت بلا موت ॥ بلا حياة و(ليت الكذبة كانت كذبة حتى الكذبة صارت صدقا ً )) !وبعنف وإصرار تعود ثانية في حديث لصحوة الى نواة الأزمة بعد أن مزقت قشرتها لتضع المتلقي أمام إحتمال مؤلم وعنيف وصارم إذ تعترف ( لقد تعلمت ُ فن الغش بالغربال ، بتكبير الثقوب كي لايبق أحـدٌ غير الفراغ الذي إستعدته أخيرا ً وأصلحت ظلي المكسور بلاصق ذري )فهل تم ذلك فعلا ً ؟ :( ها الخيانة تحطب القلوب وتحمل لـواء الآه ها الدمـع المقطر في حقائب المتمسرحينفي جيوب العاطلين عـن إقتراف الليـل بأسـود الشفاه )إنه إذن الإكتشاف الذي لا بد منه والذي به يندلع الحزن من الفؤاد الكليل الطامح بقوة الى الأمان الذي لا بديل عنه ابدا ً ، ولربما أفلح داسم في قطع لسان أكذب عندما إمتهن الخيانة دون علم مسوط ، ولكن كان يمكن ان لا يحدث كل ذلك لو إستعان به قبلا ً، إلاّ أن الذي تهم الشاعرة في النهاية هو كيف تعاملت ( كـُدْرة ) مع الحدث : ( لا آبه بإجترارك ضوءاً هطولا ً بإرتقائك جلجلة { انتـ ॥ حرُ ) هب إني رأيتك ॥ لا آبه ! ) ।ويبقى الإستفهام المشروع يفترش مساحة العقل : هل البطل ( البطلة) حرٌ أم يسير الى حيث تتشظى الكلمة الى حافات جزئها الثاني ؟ الإنتحار الإختياري في طقس هطول بالمزن السوداء ، إيماء لا يبدو أنه يحمل الكثير من اليُمن ، متقلب يميل الى الجنوح ، يرسم لعالم مجنون ، لبشر يجوبون الأرصفة بحثاً عن أمان مفقود ، لكن آمنة ويا للغرابة تتجاهل الحدث المأساوي المحاك أمام ناظريها ، فتشيح ببصرها عنه بعيدا بلامبالاة مفرطة ، إنها في النهاية لا تأبه به إطلاقاً !