إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، ديسمبر 2

كتاب الحب مــقــاربــة أســلــوبــيــة

حســـــــــــــــن السلمان


اصبح من بديهيات القول ان اليات اشتغال قصيدة النثر تستند الى الاقتصاد اللغوي والتركيز ، والكثافة ، والبنية العضوية للنص ، والتلاقح الاجناسي ، والمفارقة والمنطلقات الارتكازية او اللازمة، لتعويض آليات الاشتغال التقليدية كالقافية والوزن في ما يخص القصيدة العمودية والتفعيلة في ما يخص قصيدة الشعر الحر كما هو متعارف عليه . اذ يؤدي الاقتصاد اللغوي الى الابتعاد عن الاطالة والاسهاب اللذين يجعلان من عملية التلقي في غاية الصعوبة نظرا لقدرة الذاكرة المحدودة على ملاحقة الدلالات ، والربط في مابينها وصولا ً للغاية او الهدف . بينما يعمل التركيز على خلق مراكز للاستقطاب والتبئير والاكتناز ، وتوفر الكثافة العمق والقيمة العالية للنص . اما العضوية فتعمل على تماسك النص ووحدته استنادا الى توافر حزمة من الوشائج والروابط المتعالقة التي تعمل على تحقيق وحدة الموضوع وانسيابية الشكل ، بحيث ان استبعاد ، او اغفال أية وشيجة ، او رابط او عنصر مكون سيؤدي الى حدوث خلل في المسار البنيوي والمفاهيمي للنص . واما التلاقح الاجناسي فيغني النص عبر الافادة من تقنيات الاجناس الفنية ويمنحه سمة التعددية والانفتاح . بينما تعمل المفارقة على احداث التوتر عبر كسر افق توقع القارئ واشراكه بانتاج الدلالة واستحصال المعنى . وتؤدي المنطلقات الارتكازية عمل الربط والاحالة والاستدعاء . بيد ان هذه الاليات كثيرا مايتم الاشتغال عليها بشكل غير صحيح وان جاءت شكليا ً كما هو مطلوب . فالاقتصاد اللغوي او الايجاز قد ينقلب الى اختزال وتقليص ، والتركيز قد يجيء على شكل من الاحتشاد والتزاحم ، والكثافة قد تتحول الى تراكم كمي على حساب النوعية ، والعضوية قد تتحول الى مصفوفة من العلاقات التعسفية ، والمفارقة قد تصبح مجرد جمع للمتضادات ... الخ . وبذلك فان كتابة قصيدة نثر نموذجية تتطلب وعيا بماهية الياتها وتحقق شروط كتابتها الفنية ، وبخلاف ذلك سنجد انفسنا ازاء قصيدة نثر مكتوبة بالتسمية والنوايا ، لا بإزاء قصيدة نثر حقيقية . في مجموعتها الشعرية الموسومة بـ ( كتاب الحب ) الذي طبع بمناسبة اختيار كركوك عاصمة للثقافة العراقية / 2010 كما هو مثبت في المطبوع ، اعتمدت الشاعرة ( آمنة محمود) في كتابة نصوصها مجمل شروط واليات كتابة قصيدة النثر كاسلوب لكتابة قصيدة نثر نموذجية ، باختيار البناء المقطعي وبما يسمى بالمقاصير ، او قصيدة الومضة ، اذ نتحفظ على هاتين التسميتين ونفضل بدلا عنهما تسمية ( النص القصير جدا ) اسوة بالقصة القصيرة جدا ، باستنثاء نصوص قليلة جدا كتبت بالشكل الاعتيادي وهي قصيرة ايضا نسبيا ً . فعلى مستوى الايجاز جاءت معظم النصوص مقتصدة لغويا ،ً سواء المقطعية ، او النصوص القصيرة جدا او النصوص الاعتيادية . ففي نص ( ك ... جزء من النص مفقود ) يتحقق الايجاز والتركيز كما في هذين المقطعين : ( كم اجيد تعذيب ذاتي بل واحسن ان أبقيها معلقة بين سماء لاتستجيب وارض لاترعوي ) .نلاحظ هنا ان التركيز يتعلق بتبئير ثيمة القلق عبر تأرجح الذات بين قطبين متنافرين ماهويا ً : سماء / ارض ـ سمو / تهافت ، عبر تعزيز هذه البؤرة بالتعليق الذي يدل على الانتظار المفتوح . اما في المقطع الثاني من نفس النص ، فهناك دلالة مركزة لإدامة زخم القلق من خلال دلالة الإقصاء الممثل لها رمزيا ً بـ ( الشبكة المشغولة بغيرنا ) والمسبوقة بضبابية الرؤية وتحديد الموقف : ( لا اقصد إني احببتك لاتقصد انك تكرهني فقط نحاول ان نسقط انفسنا في الشبكة : الشبكة المشغولة ... بغيرنا ) . عضويا ، يمثل المقطع أدناه ، افضل نموذج للبرهنة والاشارة : ( في البدء .. كان الحب شجرة طرحت ثمرة ..اكلها الانسان .. اصيب بالحب ..ماتت الشجرة فتعلم كيف يزرع وتعلم كيف يأكل ونسي كيف يحب ) .ففي مراجعة لكشف الدلالة العضوية لهذا المقطع الذي جاء وفقا لآليتي التدوير والاستدعاء ، واستلهام مقولة بداية نشوء الخليقة : في البدء كانت الكلمة ، كما ورد في التوراة / سفر التكوين ، نجد انفسنا ازاء منظومة من المفردات والعبارات المتواشجة علائقيا ً ودلاليا ً لتحقيق المعنى الذي يتمحور حول تحول الانسان من كائن روحي وجداني الى كائن مادي بفعل المتغيرات التاريخية التي تسودها العلاقات الاجتماعية القائمة على المنفعة واللذائذ العابرة . بخصوص الافادة من الاجناس الفنية الاخرى ، فقد اعتمدت الشاعرة على السرد كما في هذا المقطع : ( في الذاكرة :ربان اعرج قرصان سليم غجر مثقفونمصورون مفقؤؤ العيون اعظمية يحييها الضجيج والمرح العتيق وجنازة تخصني في اخر الطريق ) . وعلى مستوى الكثافة فان هناك الكثير من النصوص التي تتوافر فيها هذه السمة ومن جملتها هذا المقطع الذي ينطوي على بعد جمالي عميق :( احاول ان اطيل خصلة من شعر الشمسواجدل بها ضفيرة مسائي الطويل ) . استخدمت الشاعرة المفارقة على نطاق واسع في نصوصها ، خصوصا وان المفارقة تتلاءم تماما ً مع الايقاع السريع للنصوص القصيرة جدا والصدمة المباغتة التي تحدثها المفارقة ومن جملة هذه النصوص :( مازلت على قيدك .. لأنك حياتي وهل لحياتي معنى بدونك او عداك ) ( حين تكون حبيبي يخرج العالم من الباب الاخر بما فيهم انا حين اكون خارج تلك المحبة استعيد العالم .. الا انا ) . على مستوى المنطلقات الارتكازية او اللازمة ، هناك اكثر من نص على هذه الشاكلة مثل نص ( نهايات عصرية لكوابيس تراثية ) ولازمته حرف الجر ( في ) ، ونص ( محاولات ) ولازمته الفعل ( احاول ) ، ونص ( زهرة المنافي ) ولازمتيه الحواريتين ( قلت وقالت ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة الصباح