إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، أبريل 21

اللغة الشعرية باعتبارها كشفاً ............. المهيمنات الذكورية والكينونة الأنثوية المستلبة

   

                                                                                               أمجد نجم الزيدي



      إن تجربة كتابة الشعر هي تجربة غاية في التعقيد، وذلك لأنها تجربة العيش خارج الزمان والمكان، في فضاء تصطرع فيه البنى الفكرية والفلسفية، وتتجاذب فيه العواطف والأفكار، وتتلون مساحات القرب والابتعاد بينهما بالحساسية العالية للغة، باستخداماتها وتنوع فضاءاتها التي تحرك مناطق الاطمئنان والحس المتقشف الذي تعيش فيه مفردات اللغة اليومية، تتلبس لغة تتفاعل مع محيطها بحيوية الواثق، وروحية الكشف، حيث تتزاحم الدلالات في مدارها، وتصطرع المرجعيات في أفق التوحد، والانعتاق، انعتاق اللغة من سلطة المسلمات والبديهيات وسنن المتعارف عليه.
      الشعر مرقاب يفحص الأجرام البعيدة، ويجذبها لتدور في فضاءه، ساحقة كل اشتراطات البعد والنأي، إلى مقتربات بنائية يوجدها الشعر، وانصياع مزيف للمواضعات البلاغية والنحوية التي تحكم اللغة وتطوعها وفق الرؤية النسقية الخطية، التي تعودت عليها الكتابات الأدبية منذ أزمان سحيقة، كقوانين واشتراطات تتحكم في طبيعة النوع والجنس الأدبي.
      أصبح الشعر مساحة للكشف، مساحة للرؤى لتبني لها خطابا يعبر عن المسكوت عنه والمقصي من ذاكرة المشاع و الآني، والخطابات الرسمية التي تطوع الوعي الذاتي وتتحكم في طبيعته.
     للشعر قدرة غامضة على تحريك الدلالات والعلاقات البنائية للنص، ربما لقدرة اللغة الشعرية على تحريك مفرداته، لتبني علاقات افتراضية وتهدم أخرى، وتنشأ لها صلات متغيرة مع المتلقي من خلال النص، من خلال ما تستطيعه من شحن التوتر الدلالي، وفتح النص على الاحتمال، حيث تقوم بتنشيط عملية الدمج بين عدة فضاءات، تستند على البنية اللسانية والفضاء السيميائي الذي تطوف فيه.
      ربما يتفرد الشعر كبنية لسانية عن باقي الأجناس الكتابية، في انه يحمل روح التمرد والعصيان للعلاقات الاصطلاحية التي تمتاز بها اللغة العادية، حيث إن تلك اللعبة التي تمارسها على مستوى الخطاب، تجعل الشعر بنية استكشافية متفردة، تنفذ إلى ما وراء الصيغة الاصطلاحية والتقنين المعرفي الذي تمتاز به اللغة العادية، فربما تبدو لغة الشعر إنها تبنى وفق المواضعات النسقية للقوالب النحوية واشتراطاتها، بيد إنها ومن خلال العلاقات الدلالية التي تبنيها المعاني، يستطيع الشعر من أن يحورها ويتلاعب بمرجعياتها.
        في مجموعة الشاعرة آمنة محمود (فراشات آمنة)* يمكن للقارئ ملاحظة عدة أساليب حاولت الشاعرة بها تطويع اللغة وضخ حيوية الشعر فيها، فقد استندت في كتابتها على مستويين للغة، وهما اللغة باعتبارها أداة للجمع، أي أداة تتوحد في داخلها دلالات معينة، مبنية وفق ترتيب خاص وخاضعة إلى رؤية محددة، أريد بها تحقيق الأثر، مستندة إلى محددات نسقية خطية، متماهية ربما بالتصور الافتراضي للقارئ أو المتلقي، الذي سوف يخضع إلى تلك المحددات ويبني عليها افتراضاته القرائية، أما المستوى الثاني فهي اللغة باعتبارها أداة كشف، أداة خرق للنسقية البنائية الخطية التي يبنى عليها ظاهر اللغة، كأداة توصيل، وتأثير، وذلك من خلال تغليب قدرة اللغة على بناء أفق احتمالي للدلالات التي ينتجها النص، من خلال المقابلة أو حتى ربما من خلال النقض، ويظهر ذلك الأفق الاحتمالي من خلال الكشف عن التناصات المضمرة، ومدى قدرة النص على التجاوب معها، والتي تعيد تشكيل دلالات النص، وتمد اللغة بأسباب لخرق بنيتها التوصيلية، ومدها بقدرة على ممارسة دورها الحقيقي داخل النص الشعري، وهو دور الكاشف ودور المحرض، على فضح ما تمارسه اللغة من هيمنة بلاغية خاضعة لمحددات نسقية تهيمن على النص.
   ففي المقطع التالي من نص (أنت محبة):

تعيسة وغافلة
مثل غابة عذراء أصيبت للتو بحريق كبير: أنا
:حزن شق طريقه في بحر غريب.. وحين التفت
كان قد اختفى.. طريق العودة
: يائسة ومستسلمة لذلك
وذلك: نبتة مدت أذرعها في راسي
لكنها ستموت حتما.. معي

ينبني هذا المقطع باعتباره نصاً – وسنتعامل معه منذ الآن باعتباره نصأً مستقلاً عن باقي النص المجتزء منه هذا المقطع - على علاقة توصيفية، تتمفصل بها مجمل دلالاته  وعلاماته، وهي العلاقة البنائية القائمة بين ضمير المتكلم (أنا) و (تعيسة وغافلة مثل غابة عذراء أصيبت للتو بحريق كبير) من جهة وأيضا (حزن شق طريقه في بحر غريب.. وحين التفت كان قد اختفى .. طريق العودة) من جهة أخرى، وهذه العلاقة التوصيفية التي كان ضمير (أنا) هو مركز بناء تلك العلاقة إلى أخره من ارتباطات، حيث كانت (لذلك) هي الدلالة الموازية الجامعة للأفق الذي يصطنعه النص من خلال (يائسة ومستسلمة) وأيضا اعتبار كل هذه العلاقات مختزلة بـ (نبتة مدت أذرعها في راسي)، لتأتي النهاية الحتمية بأنها (ستموت حتماً.. معي)، ولكن عملية توليد الدلالات وبناءاتها داخل المقطع، متولدة من العلاقة ما بين هذه البناءات و التناص الذي ولد افقاً احتمالياً تماهى مع الفراغات، بيد إن خاتمة المقطع إعادة توجيهه وتخليصه من السلطة المرجعية التي ربما أضفاها ذلك التناص على مجمل حركاته، واستفاد من تغير مسارات المرجعيات النصوصية المتناص معها في أفق جديد، أعطى لدلالاته القدرة على بناء مرجعياتها الخاصة، خارج أي مهيمنات ممكنة تقسر النص على تبني توجهاتها أو طروحاتها.

نلاحظ بأن هذا القسم من النص (أنا: حزن شق طريقه في بحر غريب.. وحين التفت / كان قد اختفى.. طريق العودة ) قد بني على التناص مع قصة (أورفيوس) الذي ذهب إلى العالم السفلي ليستعيد زوجته (يوريكيدي)، ولكن آله العالم السفلي (هاديس) اشترط عليه أن لا يتلفت إلى الوراء لرؤيتها، لكنه لم يستطع لشدة شوقه، فتبدد طيفها وعاد إلى مكانه في العالم السفلي، حيث يعيد هذا التناص تشكيل العلاقات والدلالات التي ممكن للنص أن يبنيها وفق التراتبية اللغوية السطحية، وكذلك التناص مع عودة يوليسيس إلى إيثاكا والى زوجته المنتظرة بينلوب بعد حربه الطويلة، إن التناص مع الأسطورتين بين التفات أورفيوس وضياع زوجته وبين عودة يوليسيس – مع التركيز على إن أسطورة يوليسيس كانت مرتبطة دوما بالسفر والانتظار، ودور البحر في ذلك السفر-  يظهران بأن هناك ارتباطا قويا بين الشخصية الذكورية الممثلة بأورفيوس و يوليسيس، والشخصيات الأنثوية يوريكيدي و بينلوب، إلا إن النص يرتبط أكثر بأورفيوس، الذي يمثل له (طريق العودة ) عودة حبه الذي فقده، وكذلك بالتعارض مع أسطورة يوليسيس الذي كانت بينلوب هي طريق العودة الذي أعاده إلى إيثاكا، مما يعطينا ربما استنتاجا بأن هذه التقابلات السيميائية بين علامات النص، توحي بأن الأنوية النصية ذائبة بسيطرة النظرة الذكورية على مقاليد العلامات وتأثيرها داخل النص، وبإننا لا يمكن أن نضع هذا النص ضمن الكتابة النسوية، لأن الكاتبة قد وقعت تحت هيمنة النسقية الذكورية واصطلاحاتها، بيد إن أنوية النص (أنا) الذات الأنثوية، البؤرة التي ربطت طرفي المعادلة، بين تعيسة وغافلة (أنا الأنثى) وحزن (أنا الأنثى المتنكرة بصفة الرجل)، وأيضا ارتباط الطرف الأول بغابة عذراء (الأنثى الخضراء اليانعة العذراء)، لتغتصب وتنتهك عذريتها من خلال (حريق / ذكر) كبير، عكست تلك الهيمنة الذكورية إلى تفعيل دور الأنثى لكشف صورتها المستلبة الساكنة وراء دلالات النص حيث تعادل في الجهة الأخرى بين فعلي الحرق الذي يمثل استسلام مع فعل شق وهو فعل أرادي، تكمن وراءه إرادة حرة، وتماهى مع الفرق الجوهري بين الأنثى (الغابة العذراء) التي أصيبت بحريق هو اغتصاب، انتهاك للعذرية، مع حزن (ذكر) شق (بإرادته) طريقه في بحر غريب، يلتف بغموض المصير الذي يتصدى له، وكذلك تظهر البنية الزمنية قوة الفعل واحتدامه على الأنثى، بينما في الطرف الأخر من المعادلة، الانفتاح الزمني وهدوءه الذي تظهره الفراغات الزمنية بين فعلي (شق طريقه) و (التفت).
       ومن خلال العلاقة بين هذه الدلالات الثلاثة التي هي (أنا الأنثى)، (أنا الذكر) والعلاقة الناتجة من طرفي المعادلة (كما مبين في الشكل أعلاه) وهي (أنا الأنثى الذكر) يائسة ومستسلمة، تظهر بأنها (نبتة مدت أذرعها في رأسي)، وهذه النبتة التي تتغذى على (أنا) أنوية النص، كنبتة هجينة متوزعة بين (الأنثى/الذكر)، والتي تعزز بقائها الحتمية التي تظهرها دلالة (ستموت حتماً.. معي)، أي إن هذه النبتة التي هي الذات الأنثوية تتغذى بقيم معينة إن كانت اجتماعية أو ثقافية، أي الازدواجية التي تعيشها الأنثى في مجتمعاتنا بين أن تكون (أنثى) ضعيفة هشة (غابة عذراء) منتهكة من قبل الأخر (حريق كبير)، أو تتنكر بزي ذكر (حزن) يعاني فقدان طريق العودة إلى إناه الحقيقية وهي (الأنثى) لذلك فقد يأس واستسلم لهذا القدر الذي سيستمر إلى لحظة الممات (ستموت (أنا/ الأنثى/ الذكر) حتماً.. معي)، حيث تبقى الأنثى لا تستطيع التصريح بكينونتها إلا من خلال التنكر بزي الذكر، أي الخضوع للمحددات النسقية التي تفرضها الرؤية الذكورية، والتي ستنمو كقناعة داخل رأس (أنا) النص وتبقى وبصورة حتمية إلى لحظة الممات.


* فراشات آمنة – آمنة محمود – دار الينابيع – سوريا – ط1 2010

الجمعة، أبريل 13

تكريم الكاتب الكبير الراحل جليل القيسي



اقام الحزب الشيوعي العراقي وبالتعاون مع أدباء كركوك حفل تكريم وأستذكار للراحل جليل القيسي وبحضور الدكتور مفيد الجزائري
الأساتذة ناجح المعموري , د।عقيل مهدي , حسب الله يحيى , د।زهدي الداودي , جاسم عاصي , وسعد عزيز عبد الصاحب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اختراق الزمن في

(( مملكة الانعكاسات الضوئية ))

آمنة محمود

(( ها قد أدركت أن هذا الماضي أصبح حاضراَ في غفلة من الزمن وبإمكاني أن ألمسه بيدي وأن أشمّه . أدركت الآن إمكانية الترحال عبر الزمن كما يسافر الآخرون في الفضاء )) –

( إليخو كاربنتير / الخطوات الضائعة )

تعتبر الأسطورة وكما هو معروف قصّة خرافية يسردها الخيال وتبرز فيها قوى الطبيعة في صور كائنات حية ذات شخصية ممتازة . فهي بهذا لا تعني التنّحي عن الواقع, بل إيجاد مطابقة أكثر دقة بين الواقع الذي هو خيال والخيال الذي هو واقع. وإذا كان الإنسان العصري قد تمكن عن طريق العلم فكّ رموز الطبيعة التي كانت مستعصية على الإنسان الأول والتي تسببت في خلق الأساطير فإن ذلك يحتِّم علينا الوقوف أمام المعادلة التالية : بدائية وسلام / رفاهية وحرب , لتنتج لنا أخيرا إنسانا آخر من نوع جديد يرفض الحرب والبدائية ويسعى من اجل الرفاهية والسلام .

تمثل ذلك في القاص جليل القيسي الذي ينتقل بنا في مجموعته القصصية " مملكة الانعكاسات الضوئية " الى بلاد سومر وأكد وبابل ونينوى عن طريق خروقات زمنية الى العصور الموغلة في القدم . ومن الممكن إعتبار هذه الانتقالات نابعة من رغبة في معالجة الحاضر عن طريق إبراز صورة مناقضة تماما للواقع من اجـل الخروج بصورة مثالية لا منطقية لكنـها قابلة للتصديق . ولم يقتصر هذا الخرق أو الانتقال على الزمن الأسطوري بل تعدّى ذلك الى ولوج عالم الروائي الكبير ديستو فيسكي , ولعلّ التوافق الفكري والانسجام الروحي بين الأديبين والقراءات المستفيضة لتلك الروايات واستيعابها من قِبَل القاص قد ولَّد لديه شحنات مكنّته من ولوج هذا العالم من امتلاك القدرة على تصوير فعاليات الشخوص الروائية داخليا في عالمها الشعوري واللاشعوري ونظرتها الى الشخوص الأخرى .

في هذه القراءة نحاول التعرف على تلك الانتقالات الزمنية وكيفية حدوثها , وكقاعدة أساس علينا التوقف على أمرين أولهما نظرة القاص للزمن , فهو يرى أن للزمن أكثر من بعد : ((لقد فقدت زمني يا ضيفنا العزيز وأنا بعد صغير – لا , لم تفقد زمنك , إنما جعلته ذا بعد واحد )) (1) ( جروشنكا ص 135 ) .

ثانيهما : أن على قارئ قصصه أن يؤمن بالتزامنات غير السببية من سبر أغوار القصص التي قد لا تمنح نفسها للقارئ دون أن يكون له وعي بوبجود النفس الوثابة : (( ألا تعرف إن هناك تكرار قانونيا للأحداث .. لا تدركه الاّ النفس الوثّابة )) ( توهّج بلازما الخيال ص67 ) . وبذلك يحتاج القارئ إلى طاقة تأمّلية كي يتمكن من خلالها النفاذ عبر أجواء تلك القصص وكي تمنحه أيضا استمرارية التواصل حتى النهاية , يقول سارتر : " ينبغي للمرء كي يحدد الصفات الصحيحة للصورة الذهنية بوصفها صورة ذهنية أن يلجأ الى قصد جديد , لابد للمرء ان يتأمّل " (2) وعلى هذا الاساس ينبغي التعامل مع قصص جليل القيسي كألوان مستقلة , وحرّة في التنقل عبر الأزمان .. ( إذا كان البابلي منذ اقدم العصور يترنم بهذه الأبيات : (( غرباء حتى مع أنفسنا / نجوس أزمنة الماضي والآتي / دون قيثارات / هكذا كان حكمنا الأبدي )) (3) فلا عجب أن ينتقل إنسان " عصري " عبر الزمن , وذلك ينبع من إحساس عميق بالغربة وليس بداعي الهرب , بل من أجل تحقيق أهداف إنسانية نبيلة ابتعد المؤلف فيها عن الخطاب المباشر والحلول التوفيقية , فكانت تلك الانتقالات مرآة تعكس لنا صوراً إنسانية رائعة لحضارة وادي الرافدين ولأدب الروائي الكبير ديستوفيسكي , كما إن كولن ويلسن حين يبحث في " ما فوق الطبيعة " يستشهد برويات ثلاث إحداها " الاخوة كرامازوف " (4) فإن القاص في جروشنكا تبنّى هذه الروايات بالتحليل والتفسير بإطار قصصي وبما فوق الطبيعي , بمعنى آخر بفنتازية مُقنِعة . إن اتحاد الخيال بالذوق لدى الكاتب , إضافة الى اللغة المؤلَّفة من الدلالات خلقتْ جوّاً أقرب للتصديق والإقناع حيث إقترن الانتقال الزمني بحالات داعمة لحدوثه نوردها كالآتي :

1- في قصّة فتاة مجدولة بالضوء . يقرأ البطل قصص المغامرات والقصص الشبيهة بألف ليلة وليلة , أي إنّهُ يكون مهيأً نفسياً لتقبّـل الوضع الجديد وهو قدوم زائرة من زمن متقدم تنتقل بالبطل نحو الزمن الماضي لكن ما يدعم هذه الحالة أكثر إن البطل أو القاص ( اللّذَين يمتزجان في أحايين كثيرة حيث يستعمل القاص اسمه أو حرفه الأول في تلك القصص ) يحدث الإنتقال معهما مرورا بتناوله مشروبا كحوليا يضعه في حالة بين الخيال واليقظة . وربما لأن القصة المذكورة أولى قصص المجموعة فأن تلك الفتاة تكون عاملا مساعدا لإنتقال القاص وتمهيدا للقارئ لقبول الحالة عندما تتكرر في القصص الأخرى ودون وساطات ..

2- في قصة " نيبدابة " يصاب البطل بضربة شمس ( تخف وطئتها في الليل ) حين يلتقي في منطقة الأهوار بنيدابة ( آلهة القصب والهور ) ويرحل معها إلى اللا محدود ثم تعود به إلى ارنجا مدينته الأسطورية..

3- قصة " توهج بلازما الخيال " يزور الكاتب الروسي ديستو يفسكي القاص جليل القيسي عن طريق الندائات التخاطرية التي يوجهها الثاني للأول لكن ذلك لا يتم إلا حين أصابته بالحمى ..

4- أما قصة " مملكة الانعكاسات الضوئية " التي تحمل المجموعة عنوانها فإن الكاتب ينتقل : (( بقوة سحرية غريبة وجدت نفسي في بابل )) ( ص 29 ) لكن هذا الانتقال سبقه لقاء الكاتب البطل بمرودخ كبير الآلهة وإنكي إله الماء والحكمة . بعد تناوله مشروبا كحوليا وقدما له دعوى لزيارة بابل ..

5- تبقى حالات ثلاث ينتقل فيها القاص عبر الزمن مباشرة ودون تأثـير الحالات السابقة وهي :

أ‌- في قصة " جروشنكا " يقف البطل وبدون مقدمات امام بيتها " كان الوقت مساءً عندما توقفت أمام بيت جرافينا الكسندروفنا جروشنكا " (ص130 ) التي هي إحدى شخصيات رواية الاخوة كرامازوف ..

ب‌- " أنا عاشق سفر : أسافر في يقضتي , وفي احلامي , ويتشظى خيالي في عوالم نائية " ( ممملو ص146 ) هكذا يبدأ بطل هذه القصة بسردها في مدينة نفر وهو يقدم القرابين للاله أنليل ( اله الزوابع وتقدير المصائر ) .

ت‌- " أمسية قصيرة مع الامير " ينطلق الكاتب من نقطة الوصول – باب غرفة الأمير مشكين في المستشفى – وبطل رواية الأبله لديستويفسكي .

أن ما يربط بين الحالات الثلاث المذكورة أعلاه أن الكاتب يبدأ من نقطة الوصول ولا غرابة ان تكون هذه القصص آخر قصص المجموعة حيث لا يحتاج القاص فيها الى تمهيد وإيضاح كما حدث في المراحل الاولى . ولعل أبرز الملاحظات حول موضوع الرحيل عبر الزمن في هذه المجموعة القصصية:

- تشترك جميع القصص المذكورة سابقا بالإنتقال الزمني لكن في البعض منها الخرق زمكاني كما في " جروشنكا" و " أمسية قصيرة مع الامير " حيث ينتقل القاص الى الاماكن التي جرت فيها احداث الروايتين بينما تقتصر أنتقالاته الزمكانية في القصص الاخرى ضمن حدود بلاد وادي الرافدين ..

- اختراق الزمني نوعان : أن ينتقل البطل بنفسه أو يُختَرَق من قبل شخوص يود لقاءهم عدا قصة " مملكة الانعكاسات الضوئية " حيث يخترق القاص من قبل الالهة ثم ينتقل الى بابل وقصة نيدابة تزوره الالهة وتنتقل به الى معبدها ثم تعيده للحاضر ..

- يكون الإنتقال في مواقع ثلاث مقرونة بوجود إحتفالية أو طقس ما :

أ‌- اعايد الايكيتو ( رأس السنة البابلية ) :مملكة الانعكاسات الضوئية .

ب‌- يوم تقديم النذور السائلة للإله أنليل: (ممملو) .

ت‌- يوم الارواح المقدسة:( جورشنكا )

ث-" أن مزاعم المرء وآراءه ليست ملكا له بأي مفهوم من المفاهيم التي قد تجعل الجسم خاضعا لفكرة الذات . أي أن المرء ليس أصل هذه المزاعم والآراء ( بل الأصح أن نقول إنها أصله ) فأسبقية توافرها تحدد سلفا السبيل التي يمكن لوعيه أن يسلكها ( 5 ) بالاعتماد على هذه النظرية نستطيع أن نقول إنه اذا كانت الأرض هي العلاقة الفيزيائية بين الجسد والمكان حيث يلتقيان والمكان هو الأرض المتخيلة التي لن نصلها بعد ونحلم بالوصول اليها , فأن جليل القيسي لم يكتفِ بالحلم بل انطلق إلى فضاءات أرحب من سماء الحلم . وبهذا يكون قد تمكّن من إنتزاع الكلي ومن الجزئي بتخليص المعنى من المادة , بحيث يمكن استحضار الشيء من غير أن يرتبط هذا الاستحضار بشروط الوجود المادي وبشروط الزمان والمكان .




1- جمعية الاقتباسات منقولة عن مملكة الانعكاسات الضوئية, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد, 1997.

2- جان بول سارتر : الخيالي , ص 13 .

3- طه باقر : مجلة عمان , عدد 72 , حزيران 2001 .

4- كولن ويلسن : المعقول والا معقول , ص 181 .

5- ستانلي فيش : هل في هذا الصف نص , ص 230 .



الأحد، أبريل 8

مشاركتي في مهرجان أبي تمام الرابع ــــ نينوى



الأرض الحـــــــرام
آمنة محمود

وطنٌ بلا رُتبة

جنديّ أعزل

.يمطرهُ الأعداءُ رصاص

حبيبتهُ التي بها يحلم

خاطت لعودته ثوبين

ثوبٌ للزفاف .. ربما

وآخرُ للخلاص

*****

رجلٌ برتبةِ وطن

أنت :أشملُ من وطن

يمنحني الأمان

فأشعر بالغفوة

الغفوة الساكنة .. تصاحب يقظتي

الغفوة الصاحية..أنت

أرقّ من حمامة

أصفى من غمامة

وأعذب من طير وحيد

أجملُ من بركة صفاء يغطّيها اللوتس

أنت.. يامن أنت

برتبة وطن

*****

رتبة بدون رجل

رتبة في الأرض الحرام

تصحو .. تنام

بلا شهيد .. بلا وطن

أنا

رتبةٌ في الأرض الحرام

تنام

الاثنين، أبريل 2

فِصامُ البنفسج


آمنة محمود

إلى : أبــــــــي العــــــراق






وأنتَ ترفعُني بيمينِكَ

وتُلقي بي كمنديلٍ أخرَق

في جمرِ الموقد

تذكّر أني ابنتُك ..

ابنتُك التي تُهرَع كُلَّ صُبحٍ

عند قدميك .. لتبكيَ قسوتك .

أمتصُّ وجعَك .. أبكي :

صغاراً في دورِ النُفايات

نساءً قطّعنّ أوردةَ الخيال

يوم أسقطت جاذبيةُ الحروبِ تُفّاحَ الرِّجال

أتقمّصُ حُزنَك .. فتهطلِ سماءُ الروح

وأكرر تساؤلي الملحاح : أتحبُّني؟!!

وتصمِتُ الإجابة

فعيونُكَ أطفالٌ خُرس

وعيناي أسئِلةٌ قتّالة .

كم وهبتُني نذراً إليك

لا أنتَ تذبحُني

ولا السماءُ تفتديني ولو بقطرة.

بين كفّيكَ تذبُلُ حقولُ الياسمين

فلا الدماءُ التي انتُزِعَتْ من قلوبِنا عنوةً

قادرةٌ على إحيائِها

ولا لآلئ الدمعِ في ميادين حرّية افتراضية

نُصلّي السماء استسقائها :

"حرّية .. حرّية "

فتردُّ الطائراتُ الورقيةُ على نشيجِنا

بسُرعةِ الضوءِ

" ما أينعت حدائقُ الأعناق

فعلامَ القِطافُ يا عراق؟"

***

أهبطُ على خرائبِ كفّك .. فأُبصِرُ

حدادُ الأرامِلِ قهوَتُنا المُرّة

ودِماؤنا خمرُ العدو

ضماداتٌ ..

جثثٌ ..

أطرافٌ مبعثرة

ورصيفٌ منقّط .

نحنُ رُعاةُ بقراتِك اللائي أكلَ بعضهُنّ بعضا

فزّاعاتُ حقلِ سنابلكَ الخُضرِ واليابِسات

اشتعل الحقلُ ..

كذبتِ الرؤيا

فالتجأنا إلى ساحات رقّك نهتف :

" أيها الرُعاةُ القُساةُ

إنّا رعيّةٌ عزلاء

إلاّ أن أعيننا المدرارة

قد تنالُكم من حيثُ تأمنون"

***

وأنتَ ترفعُني بيُسراك

وتلقي بي خارجَ حدودِ جحيمكَ الذي أعشق

تذكر كم أُحِبُّك

أُحِبُّك في الضرّاءِ والضرّاءِ والضرّاء

ولا ربيعٌ يمرُّ بك حتى في الربيع

أهمُّ إليك ..

أحملُ همّك

ولا أُهمُّك

***

دمعُنا المنزوعُ من جُرحِ القلب

دمعُنا المسفوحُ عليك .. تكثّفَ

صار غيمةً عرجاءَ عُكّازُها الأحلام

تسيرُ معك .. تضلّلُ فجّاً في رأسِك

والغُزاةُ الطيبون جاءوا ليحفظوا أمنك

ويطفئوا الفتنة

لكنهم ( وعن غيرِ قصدِ ) حين دبّت دباباتهم

داسوا على الدمى

وجرجروا بكلاليبهم ( عن غير قصدٍ ) عباءاتنا

وانتزعوا عن غير قصدٍ البهجة من وجوهنا

( الغزاةُ المساكين ) إنهم يخفِرونك جيّداً

وبيدِهم فأسٌ وأعوادُ ثِقاب .