إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، أغسطس 8

حين يسقط بروكرستز تستفيق الشمس
آمنة محمود

ببساطة تخلو من البراءة , لابد أن نتساءل : كيف سيكتب شاعر ما بعد الطوفان ؟ وستلح أسئلة أخرى حين تفاجئنا الإجابة : مثلما كان يكتب . وكيف : انه الصدق الذي يبالغ في تصوير الواقع بتجاهل ( إن لم يكن تشييء ) السطلة , وهو صدق سبارتاكوس الذي قال لا فعُلِّق مشنوقا على أعين الناظرين . هو العراقي الذي يستبسل من اجل الحقيقة في نفس الوقت الذي يكثر على نفسه الإنعتاق عن الوطن واللحاق بقافلة مضت للبحث عن حلم أضاعته في الداخل .
هو ليس شاعرا واحدا فحسب , بل لأنه أصبح يمثل نموذجا للعراقي الشاعر حامل لواء الكلمة التي أعيد الوهج أليها مؤخرا حين احتل اللاعقلاني مساحات أوسع في الحياة الراهنة , مما أعطاها ( الكلمة ) فرص التحليق في فضاءات أسمى مخترقة الحدود التي تفرضها سلطة ما في وقت ما , حمل الشاعر كاميرا التصوير لينقل الحاضر الذي يتفجر صعودا نحو النهايات اللامنتهية , فكانت فصيلة ( الكوارثيات ) التي تمثل هذا النوع من الشعر الذي تميز به الشاعر سلمان داود محمد ((1)) , حيث كانت قصيدته عميقة الجذور متعددة المزايا من أبرز ملامحها :

•1- الثورة نظرية وتطبيقا :
أذا كانت الحداثة في حد ذاتها تشكل ثورة مستمرة من الاكتشاف والخلق , فكيف إذا اتحدت ثورة كهذه بأُخرى تثور على التسوير والتحجيم الذي يعانيه الإنسان المسالم بوصفه اعزلا ( بالمعنى الحربي للكلمة ) , فحين نرى طيرا يحلق لوحده في السماء لا يعني ذلك دائما انه يطير خارج السرب , بل ربما كان السرب مقسما بين الأقفاص وطاولات الطعام وأماكن أُخرى وإذا كان الطب النفسي قد شخص الإستذئاب Iycanthropy كحالة مريضة , ففي ظروف كهذه تنشا حالات أكثر تعقيدا , وفي جميع الأحوال سنقول لا فرق لان التحول قائم لا يردعه بياض عدا بياض الكفن ( إن وجد ) .

تحت ظل جحيم من هذا النوع , تولد ثورة مزدوجة نابعة من النوم الطويل في فراش بروكرستز ((2)) . وهي ثورة شمولية تبدأ بالذات وتنتقل إلى الآخر بتعدديته وانتشاره وسلطته المؤثرة في تفاصيل الواقع الذي يتمركز داخل الخريطة , ثم إلى الآخر : الآخر , حيث يتجسد بالعدو الذي يتحول فيما بعد إلى منقذ ومحرر ومحتل في نفس الوقت , من اجل اكتمال أيدلوجية اللامعقول التي يعيشها الإنسان العراقي حين يرى في ضئيل ومضات الأمل عبثية حمقاء لا مجدية : (( أحببت كعادتي وقاحة الأمل / حين يسترق التجاعيد من اليائسين / بتمرير المكواة على المرايا )) . والاستدلال على تفجر الثورة من الذات وابتدائه منها إنما نلمسه من النتائج التي آل إليها تدريجيا وهي : (( جعلوني اخفي الضياء تحت وسادتي /كي أحلم دوما بسماوات تنقذ التصفيق من البطالة )) , (( آن لإخلاصي أن يفرط بالخلاص )) , (( خشيت على خزائن المحنة من توبة اللصوص / كرهت نضارة الهدنة وهواة العزف على المرارات بداء السكر / وجدت في حفظ البلدة عن ظهر قلب طريقة مثلى للإقلاع عن المباهج )) . أقصى ما يمكن أن يقال أن للوطن جرحا بعمق تاريخه , وان هذا الـ ( جرح ) هو الذي غيّب الأبناء وأبتلع الأطفال . والحل الأوحد من اجل استعادتهم , هو إلتآمُه . أما الحل البديل من اجل العثور على بقاياهم فهو تحنيطه ونصب الأسلاك الشائكة حوله , لذلك تجنب الشاعر ( الحقيقي ) المتاجرة بجرحه الوطني , فابتكر لغة تخلع الدموع من أعين البكاء وتضبط الأصوات بحيث لا تستدرج أحدا له . فأصبح الغضب بديلا عن الدموع الآيلة للصعود من اجل دعم الغيمة الفارغة , وتجسد هذا الغضب بثورته على الآخر الذي تمثل في ثلاث :
•v الأول : الأنا ! إن القصيدة بإيقاعها العالي وصوتها المرتفع لا ينجو من خطابيتها الآخر , شبيه الذات أو بديلها , وهو ليس انشطارا بقدر كونه انصهارا تطابقيّاً ( للأفراد المُعايشين نفس المأساة ) في ذات روحية واحدة . وما دامت القصيدة تعج بالمرايا فلا باس في ذلك ( الانصهار من أجل رفع مستوى الجنون إلى أقصى حدوده : (( فارفس يا نثرن قال بعصفورك ما يجري / لعلك تغرف من جيب الكنغر ناموسا للقفز )).

وفي مواقع أخرى يكون الخطاب موجها للآخر : الأنا ! أي بالصورة المعاكسة (( تفاقم كالأسرى /وكن على غراري / مرة حلمت بسكين فانقسمت إلى أثنين / الأول يسمى الناس أخطاء شائعة / والثاني يستبدل الإخلاص بمكنسة كهربائية )) .
•v الثاني : الآخر , السلطة , وفي مواضع متعددة في هذا المنحى يكون المخاطب رأس السلطة : (( وأنت , أيها المزمن في دس العتمة بالمصابيح / مبرىء الفعلة بالأغاني / البارع في توسيع المأتم للتنكيل بأشجار القهوة )), (( صرت الرحيم بلا استشارة من جيوبي , والكريم على نحو .. تلاحقني الضرائب / ها أنتذا / شريكي زورا في ارتكاب العراق )) .
•v الثالث : الآخر , الآخر , وهو الذي يتمثل بالعدو الذي سيتحول بالمستقبل إلى منقذ غازي فيكتفي بعنوته حربا وتصوير الواقع الذي يحيط ذلك دون الإشارة المباشرة (( النكبة مجانا / رطن الهدهد )) , (( صار البهتان يبيض أساقفة )) , (( وتقهقه دامعا , يحيا الغزاة )) .

لقد عززت هذه البانوراما ( المتكررة في كل آن والمترسخة في ذكرياته رغم زائف المباهج ) عززت تعاظم شعوره بالغضب , لذلك تطغى على القصائد اللغة الخطابية وتتبلور أفعال الأمر وتكتظ بها القصائد بتوظيف لغوي مدروس ومتقن (( انه التفاعل الحاد والمستمر الذي يقيمه الشاعر بين الفترات اللاحقة من الزمن , ليكون لفعل الأمر المكابد المحترق , الأثر النفسي كوقع الرمح وليبقى هناك ودائما ما يعود إليه ويكتشفه في ضجيج القصيدة المكتوم , أنه فن النفاذ إلى بقاع الظلام في النفس لتحركه باتجاه النضارة ))((3)) فيكون لفعل الأمر التأثير القوي على منح القصيدة الصخب الذي تستحق في عنف التعبير عن الواقع بماضيه وحاضره ومستقبله (( حصن سماءك الجوفية بالأنابيب / لتصريف الأحلام الموحلة باللاءات / سترى من فوقك ليلا / يحتسي المناعة ضد القمر / ومن تحتك شمسا / تنظف أسنان المدافع بالجنود )) .

إن حشو اللغة بالذخيرة الحية هي آخر خطوة من خطوات رقصة الموت لدى الشاعر , حين يقف مكتوف ومكفوف اليدين . لذا احتلت المجازات مساحة شاسعة من حدود رؤاه المتسعة ,بالاستخدام مطوعة قصرا مشحونة بطاقة قتالية متمادية في صد ما لا تستطيع اليد بلوغه , وهي عبارة عن مارشات تندلع فيها الكلمة ثائرة مستثورة , ها هي القصيدة التي وصلت إلى سن البؤس تتمرغ في عبثيتها كطحن في زجاج مكسور : (( يوجد لاشيء يبني أعشاشا لسراب )) , (( لها تل دموع لبلاد كالذكرى / وسرب حمير يتثعلب من برج الثور )) , (( تخلع انفك من أحذية الورد )) , (( وتبث الأحزان وراء الحدود / فتكشف عن من يسوسن الجيفة )) .
•2- دراما المكان :
أن يشتمل شاعر مكانا ما بقصيدة , فالأجدر بالمكان ن يكون وطنه , وحين يكون وطنا كالعراق فالأجدر بالقصيدة أن ترتدي الحداد , خاصة عندما تتحول الأرض إلى أداة ضغط ومساومة , فإما البقاء صمتا , وإما النفي الطوعي , والطريق الأوسط في ذلك هو البحث عن لغة مشتركة ذات أطار تفكيكي وتركيبي مليئة بالاستعارات والرموز من أجل اجتناب الطريقين السابقين : (( سأطيل الأظافر بما يعرقل انتزاعي من شارع الرشيد / وانحت موتا جيدا للحقائب / بالامتناع عن الـ هناك )) . وإذ بعلن تجذره بأرضه وصلته التفاعلية والحميمة بها من ناحية , فأن ذلك لا ينسيه بأن تلك الأرض (نفسها ) كانت ساحة قتال إجباري , لذلك كانت الحاصية Verism: (( أيثار العادي على البطولي والأسطوري في الفن )) كانت رد فعل معاكس وطبيعي للمنزلقات التي أدت بالشاعر للتحول إلى مواطن ابدي (( 4)) , لا تنبع حاصليته من انعدام البطولي والأسطوري , بل بسبب ما انتشر من زيف ذلك فيتجسد المكان بوصفه أرض معركة أو أهداف قصف أو تاريخ مؤبد الحداد . وقد يتبادر سؤال ما : هل إن الفعل هو الذي يحرك القصيدة بمعنى إن الشاعر يتكيء على الحدث في صياغة القصيدة وفي بنائها الانفعالي حينها يكون الجواب نفيا فإذا كان الأمر كذلك إذن لقرأنا قصائد بكائية مليئة بمشاهد الدماء والمعارك , لكن الأمر مختلف تماما , فالمكان يقع في القصيدة موقع الذكرى والأحداث موقع النتائج والانفعال التي تصاحبها هي أفعال ماضية : (( لكني بريء من فردوس يلمع في مدفن الغرباء / وأمين لأصدقائي المشتعلين هناك / في العامرية )) , (( أشباهي حزمة صبيان في مقتبل الفاو )) , (( يقيم هناك طبيب الخطى / سيعرض ساقين واشتري / الأولى تشبه التي نسيتها في ديزافول )) , (( ادحض ما توهج في كربلاء )) . ويلجا الشاعر إلى التلاعب اللغوي , حين يستخدم لفظة ما بمعنى جديد أو مختلف , حين يفتخر بجرحه الوطني أمام حبيبة لا منتمية لهذا الجرح (كما يبدو ) , فحين يقترن الزمان المؤرخ موتا , بالمكان الممطر به , ينتشر لهيب الكلمة , ليشمل كل بقعة من أرض الوطن دون استثناء حينها تختلط مواقع الأشياء ورموزها وحتى معانيها ومدلولاتها اللفظية فكل الا ممكن يكون ممكنا والعكس لا بد أيضا صحيح : (( ومن جراء وجهك القدوس سينبح القمر / فهل لديك 17/1/1991 دينارا لنشتري الجريدة ؟ . لا وربما نعم , أو ...لا , فحين تصدعت الخريطة بقيت الأرض متلاحمة ترتل ترانيم الصمود في صباحات التآبين .
3- التطبيق اللغوي مع الانفعالات النفسية :
لقد كان لاستخدام الشاعر الكيمياء اللغوية دور فعال في عكس صورة حقيقة في الواقع الذي تحول إلى قنبلة موقوتة تستمد طاقتها التفجيرية من ذاتها المشحونة بكل ما عانته من صور التنكيل والاستبداد والقهر وربما كانت تسمية الكيمياء اللغوية هي اقرب الوسائل للتعبير عما يحتدم في روح الشاعر : القصيدة , حيث يلجأ إلى شحن الكلمة وتحميلها مضامين عدة بمفعلة المفردة وإخضاعها عنوة , فكان أنشار ظاهرة التمفعل هو إيجاز متحفظ في إظهار الانفعالات النفسية وبرمجة القصيدة بما يتلائم مع ذلك , عن طريق الإستفزار النفسي الذي تتركه الكلمة في نفس القارىء : (( نثرنة الصنم )) ,(( تتمزبل تحت الأنواء )) , (( يتثعلب من برج الثور )) , (( تنرجس كيفما تشاء )) , (( تمأزق الراحلين )).
إن جميع الظواهر والحالات التي تكتنف وتنبع من قصيدة الشاعر أنما تكون موجهة وموظفة من اجل تصوير جرحه الوطني بدقة متناهية ,وهو لا يسير في هذا وفق نظريات أو مناهج معينة إنما يحاول المزاوجة بينهما حينا والابتكار حينا آخر , وبذلك يحدد بوعي موقفه من العالم المحيط به عن طريق هذا الابتكار أو الابتداع Invention ووصول الشاعر إلى هذه المرحلة كان قد جاء بعد سلسة طويلة من الصراعات النفسية الخارجية والداخلية التي عاناها بسبب خزين الذكرى الذي تبثه في نفسه بطريقة مكررة دون سيطرة الإرادة الواعية التي غالبا ما تفشل في إيقاف ذلك تلك الحالة التي تدعي بـ ( استمرار الزمان -Perseveration) , لذلك تحولت القصائد إلى حالة من حالات التنفيس Abreaction لتخفيف التوتر المصاحب للإستعادات المتكررة للذكريات تلك مستخدما آلة اللغة لا للتعبير عن حقائق معلنة فحسب بل وللكشف عن حقائق مجهولة , فكانت الرؤية تقريرا وانتقادا وهو ما أسماه نجيب محفوظ بـ ( اليوتوبيا الحديثة ) ((5)) (( انتبه يا صاح مرة / رخصة الفرشاة تسعى في خشوع / لحذاء تكشف الألوان سحره / فتعاني من تخطيه الشموع )) . وقد يكون للا معقولية الواقع دور فعال في افتعال الشاعر للأخطاء اللغوية ( المدروسة ) والسير وفقها على اعتبارها حقائق ثابتة لا تقبل التغيير وهو ما يسمى بالتشوهات البنائية الطفيفة كالاختلافات الإملائية المقصودة , ففي عبارة ( خروف العلة ) التي هي عنوان إحدى القصائد يكون لإضافة نقطة على حرف الحاء إسهاما مؤثرا في تغير الاتجاه النفسي للمتلقي , بنفس الطريقة التي يسقط بها نقطة من حرف (( واطرد الأهزوجة بانسكاب النقطة فوق الصراط )) وبذلك تتحول الكلمة بعد إسقاط النقطة إلى ( اهروجة ) وهو المعنى المختلف والمعاكس تماما للأصل لكنه مطابق للواقع .
4- التشطير :
يؤمن مبدأ الجشتالت Gestalt النقدي بان خصائص الكل تتشكل من مجموعة الجزء لكن هذا الجزء بخصوصيته المجردة لا يشكل وحده قيمة جمالية إلا إذا ارتبط بغيره من الأجزاء , وما يُهِمُّنا من هذه النظرية , هو إغناء الشاعر لها عن طريق استخدام الكلمة بمعناها الكلي , وتشطيرها لتضم معان آخر ومن ثم دمجها باللغة الاصطناعية للتعويض بطريقة ضغط العبارة أو استخدام الكسور اللفظية المركبة التي تسبب تطاير شظايا المعاني إلى اتجاهات مختلفة , فيشير في إحدى قصائده إلى النعجة المستنسخة دوللي للاشارة إلى الإنشطارات التي يعيشها الفرد منزوع الإرادة ومتعدد الأنوات (( النعجة مقياسي في جرد الـ ( أنا - ناس ) )) , ومثل ذلك الجمع بين تميز الكويت كدولة غنية وبين لفظة Biscuit (( ما من احد يفهم التراب / غير غريب بوطن بالـ( بس- كويت ) .
أنا اكتب إذن أنا موجود , أليس من الضروري والحتمي أن يكون شعار أي كاتب , أليست وظيفة الشعر هي أعادة بناء العالم بالكلمات ! ومع عالم يشبه ارض ما بعد الزلزال , هل من الممكن الحلم بإعادة بناءه , وإذا كانت الكلمات قد تشظت فبأي اللبنات سيكون البناء متينا إن لم تكن كلمات تمثل الواقع حيا بلا رتوش . وربما كان ذلك هو السبب وراء تهجين اللغة بحروف أجنبية , حين يعرض الشاعر أُغنيته عن الـ (( Zero Killing)) ((ok )) بطريقة الجناس أو الأبوذية التي لها علاقة وطيدة بالشعر البابلي القديم ( نتج عن طبيعة الحوافز المؤثرة فيهما تأثيرا متشابها / ساهم في دعم ذلك تأثيره اللاواعي بالشعر الشعبي العراقي . بالإضافة إلى ذلك فان حالة التشظي التي يمر بها أوقعت في نفسه تأثيرا بليغا انعكس على المفردة من حيث كتابتها المقطعية التي تعكس على حالة من الانكسار , حين يتلو مزاميره الشعرية بعد أن حطم العلائق الوطيدة بين الحروف العربية باستثناء ( لفظ الجلالة ) وكلمة ((ناس)) التي لها جذور سابقة ترمز للتشظي والتعدد الذاتي الذي يجعله مقابلا للربوبية :
((K)) AL مع rn ط ظ m ((O )) AL to ق ط Na
كي لا b ي ح ro ny ت ق sa an a ع
Kee لا ma يا do ش t (( ناس )) to AL ي أ R
L AL Asa و ط mn (( الله )) to ب ك ت ar
na ي ح .

أما قراءتها فبالشكل التالي :
نطقت ال ـ (( O )) مضطرا مع الـ (( K ))
عسى أن أقتني روحي بلا كي
رأيت (( الناس )) تشدو يا ملاكي
حين ارتكبت (( الله )) من طول الأسى .
إن ارتكابه الربوبية كان له سببان الأول ما يذكره في أغنيته عن ( القتلى صفر ) في أنه اقتنى روحه في نفس الوقت الذي فشل فيه في الإبقاء على ( أو ربما إيجاد ) تلك الحبيبة ( الملاك ) , والثاني أن الربوبية لا تعني التأله بقدر ما هي رفض للواقع بالاستغناء عن الآخرين (( لقد تطور الناس بفضل المقدرة على الكلام إلى مجتمع , وعن طريق المجتمع إلى ذكاء , وعن طريق الذكاء إلى نظام , وعن طريق النظام إلى تمدن , وفي دولة منظمة كهذه يجد الفرد أمامه ألاف الفرص وسبل التطور مفتوحة له ولا يمكن أن تقدمها له حياة وحيدة مقرفة , إذ لا يستطيع العيش لوحده سوى الآله أو الوحش ((6)) أما إذا لم يكن المستوحد ألها ولا وحشا أذن فلا بد أن يكون الخلل في الدولة فتكون الوحدة أو العيش بلا آخرين هي النتيجة الحتمية لـ ( طوال الأسى ) .
********
الهوامش :
((1)) سلمان داود محمد , شاعر عراقي مقيم في بغداد له : غيوم أرضية , شعر 1995 , علامتي الفارقة 1996.
((2)) فراش بروكرستز bed Procuresses : نهج يكره عليه المرء أو الشيء اعتباطيا , وكان بروكرستز لصا أغريقيا خرافيا يمد أرجل ضحاياه أو يقطعها لكي يجعل طولهم ينسجم مع فراشه , وأصبح مثالا لمن يحدث التناسب بوسائل عنفية أو اعتباطية .
((3)) مكابدات فعل الأمر , محمد حسين الداغستاني / مجلة الهلال / كركوك عدد 7ايلول 2002 .
((4)) مواطن ابدي : عبارة استخدمها الشاعر المتوفى رعد عبد القادر , في وصف العراق الذي يتخلى عن الكثير من احتياجاته من أجل البقاء على قيد الحياة .
((5)) احمد محمد عطية : حديث مع نجيب محفوظ , مجلة الآدآب عدد1 / 1970 ص 18
((6)) قصة الفلسفة , ول ديورانت , ص 100 .


آمنة محمود