إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، أغسطس 13

الشاعرة آمنة محمود تتفوق في المربد ــــ كتب علي الحسناوي




رايتها تقرأ فقلت ما أنا بمستمع حتى شدتني اليها قدرتها على تقطيع الجملة وغناء الكلمة والتحليق بالمعنى فوق جباه الحاضرين دون أن أزِن قصيدتها بميزان التفعيل أو أن أضع اوزارها الشعرية على طاولة النقد والتحليل. شاعرة المربد التي تخطّت عشرات نقاط التفتيش حتى ألقت برحالها في مدينة البحر والسياب كانت تحنو على وليدها كلما تنبه إليه كاشف البارود في الطريق العراقي الممتد من مدينة التآلف العراقي الكركوكي وحتى بوابة مهرجان المربد. ويبدو أن القصائد المتفجرة تأريخاً وحوارية متجددة كانت بهدوئها ورمزيتها تداري على خوف الشاعرة آمنة محمود من أن تُكتشف نواياها القتالية بالحرف وبالورق. وهنا يبتدأ الأرق حينما ترتدي النخلة عراقية زي الشاعر المقاتل فتعود لتطلّ علينا من على منصة المربد بحوارية ملأها الرمزية في دلالاتٍ بشرية البستها الشاعرة اثواب البشر واجنحة الملائكة في فريقين تقاسما الحب والمعاناة والحاجة للتغيير في تعابير الناس الذين ضاقت همومهم حتى انحصرت في بوتقة القصيدة. نعي تماماً أن القصائد الحوارية ليست وليدة اليوم وليست هي بحالة تختص بأسم شاعر معين دون الآخر وخصوصاً حينما يدور الحديث عن ذلك الكَم الهائل من الغنائيات التي تفترض التلاقي الروحي بين طرفي الحكاية أو لنقل تلك الملاحم باساطيرها التي تمت ترجمتها ومسرحتها ايام التلاقح الشعري المسرحي الذي تسبب في إشعال جذوة نهضة ثقافية عراقية خالصة استفدنا منها كثيرا من حيث المشاهدة والنقد والتحليل. واليوم وحينما تدخل الشاعرة آمنة محمود هذا المجال فإنها تعرف تماماً أنها مقبلة على تجربة شعرية جديدة قد لا تجعلها تقف في مصاف شعراء القصيدة الحوارية ولكنها على الاقل ترتقي بها درجة أعلى وتضفي على تجربتها الوليدة نوعاً من تخطي حاجز الخوف الشعري من ولوج هذا الميدان. القصيدة تأخذنا في بحرٍ من التساؤلات وتدفعنا الى تخيّل من هو المعني بالرمز واين يكمن المعنى الشعري الذي ارادت الشاعرة استخدامه كي تعبر عن مكنوناتٍ انثويةٍ ارتبطت بجميع مساحات الوطن من حيث الحُب الذي يراد له أن يتجدد في ذاكرة الناس ومن حيث مفهوم الوطن الذي تبعثر بين ما يُسمى بالوطنية وبين الإنتماء أو من حيث صلابة الموقف الانساني الذي بدأ يفقد معانيه واحترامه لذاته. حينما تقوم الشاعرة آمنة محمود بتوظيف الرمز التأريخي مستعينة بأسماءٍ لها عمقها ودلالاتها التأريخية فإنها تفرش لنا بساطاً عراقيا على حكايات الف ليلة وليلة وتطير بنا في رحلة عراقية فوق بساط الريح الذي اضحى سمة التجوال اللامرئي في قصيدة الشاعرة.